اخر الاخبار

17‏/11‏/2011

سايكس- بيكو جديدة بقلم رولا خرسا

فى عام ١٩٠٨عزل السلطان عبد الحميد الثانى، الذى يعتبره كثيرون آخر خليفة فعلى للمسلمين، لما قدمه للقضايا الإسلامية ولفلسطين بشكل خاص ولما قام به من مشروعات سكة حديد الحجاز التى كانت تربط دمشق بالمدينة المنورة، وكان ينوى أن يمد هذا الخط الحديدى إلى كل من إسطنبول وبغداد. كانت الرشوة والفساد قد استشريا فى الإدارات العثمانية بشكل كبير مع زيادة النشاط الصهيونى.
وكان اليهود قد عقدوا مؤتمرهم الأول عام ١٨٩٧م، فى بازل فى سويسرا برئاسة تيودور هرتزل، واتفقوا على تأسيس وطن قومى لهم فى فلسطين، وعرضوا الفكرة على السلطان عبد الحميد فرفضها، فوسطوا حلفاءه، ولما أصر على موقفه زاره هرتزل بصحبة الحاخام موسى ليفى، وحاولا إغراءه بإقراض الخزينة العثمانية أموالاً طائلة. لكن السلطان رفض بشدة وطردهما من مجلسه وقال عبارته الشهيرة: «إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكى إنما هى ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع وربما إذا تفتت إمبراطوريتى يوما، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل».

وبين  نوفمبر من عام ١٩١٥ ومايو من عام ١٩١٦، وبمفاوضات سرية بين الدبلوماسى الفرنسى فرانسوا جورج بيكو والبريطانى مارك سايكس، تم الوصول إلى اتفاقية تقضى باقتسام فرنسا وبريطانيا لمنطقة الهلال الخصيب لتحديد مناطق النفوذ، قسمت هذه الاتفاقية- وما-تبعها- سوريا الكبرى أو المشرق العربى إلى دول وكيانات سياسية كرست الحدود المرسومة بموجب هذه الاتفاقية، فقبل سايكس- بيكو كانت حدود عالمنا العربى تختلف عن بعده، كما وضعت فلسطين تحت إدارة دولية. وفى نوفمبر من عام ١٩١٧ صدر وعد بلفور، وهذا الوعد استند على الرسالة التى أرسلها أرثر جيمس بلفور إلى اللورد ليوتيل والتر دى روتشيلد، وأشار فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين.

بعد هذه المقدمة التاريخية الطويلة أقف أمام ما قاله الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل مؤخراً حول أننا أمام سايكس- بيكو جديدة، فأجدنى بمرارة أفرح أنى لست الوحيدة التى تؤمن بهذا. مع حزنى وأسفى على شهداء سوريا الذين يقعون بيد النظام- كما تقول المعارضة أو بيد العصابات المسلحة- كما تقول الحكومة، وفى الحالتين هم شهداء عند ربهم.. أتوقف باستنكار شديد أمام أمرين: أولهما موقف الإعلام المصرى مما يحدث فى سوريا، من المفترض أن الرئيس السورى بشار الأسد لا يزال حاكما شرعيا للبلاد، فكيف عند تغطية الأحداث يتم إجراء لقاءات مع المعارضة أو المتمردين فقط؟ ويختفى تقريبا صوت الحكومة؟.

الأمر الثانى: موقف الجامعة العربية الخاص بتعليق عضوية سوريا بها، لا أحد ينكر أن هناك الكثير من الملاحظات حول نظام الرئيس السورى بشار الأسد، ولكن هل يعقل أنه لا أحد بعدما حدث فى ليبيا بشكل خاص يشك فى تواطؤ دولى للإطاحة بسوريا؟ ألم يربط أحد ما بين التهديدات لإيران وما بين دعم إيران لسوريا؟ أمر آخر قد نسيه كثيرون أن النظام السورى قد نشأ على أسس طائفية، فهو نظام علوى، والطائفية تبقى أهم النقاط القابلة للانفجار «فى الوقت المناسب»، وحكم الأقلية يبقى دافعا للطوائف الأخرى لتحقيق أحلامها القومية مثل الأكراد.

والأكراد مثال بسيط لحلم فئة أو عرق فى دولة مستقلة. والغرب يستغل هذه الأحلام ويستغل اضطهاد الأقليات، فيعدهم بدويلات مستقلة، وإن لم يستجيبوا تكون سياسة الفتن والفوضى حتى يتحقق المراد. وما يحدث للأكراد يحدث لأقليات كثيرة فى العالم العربى.. اعتبرونى من المؤمنين بنظرية المؤامرة، ولكننا على شفا سايكس- بيكو جديدة أعلنتها كوندوليزا رايس واضحة عندما تحدثت عن «شرق أوسط جديد»، وما يحدث حولنا ينبئ بقرب تحقق الأمر. وتعليق عضوية سوريا هو بمثابة رفع الغطاء عنها، كل حكامنا سيئون، نعترف بهذا ولكن نغير بأيدينا لا بأيد الغرب. سايكس- بيكو جديد نحن مقدمون عليه عرابه الرئيسى إسرائيل، ومعظمنا لا يعى المصيبة. خذوا كلامى هذا أو اتركوه، ولكننى لا أستطيع الصمت، والتاريخ وحده سوف يكشف الكثير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق