اخر الاخبار

14‏/11‏/2011

أحوالنا لن تتغير بالانتخابات والبرلمان بقلم د.طارق الغزالى حرب

أتعجب كثيراً من كل هذا التركيز والانشغال من الدولة بأجهزتها المختلفة وعلى رأسها المجلس العسكرى والوزارة بموضوع الانتخابات المقبلة للبرلمان المصرى بمجلسيه الشعب والشورى.. وأتعجب أكثر من موقف أجهزة الإعلام المختلفة واهتمامها المُبالغ فيه بنفس الموضوع واعتباره «أم القضايا» المصيرية التى ستحدد مستقبل مصر وتحل مشاكل شعبها وتنتشله مما هو فيه من أزمات طاحنة.

الجميع يعرف أن الإعلان الدستورى الذى ستُجرى وِفق مواده الانتخابات لا يعطى حق تشكيل الوزارة إلا لرئيس الجمهورية الذى يقوم بدوره الآن المجلس العسكرى، والذى بالتأكيد سيحاول اختيار رئيس وزراء ذى شخصية قوية وكفاءة إدارية ومعه مجموعة من الوزراء ذوى الرأى والرؤية والعزم والحسم تحتاجهم المرحلة الحالية كما هو مأمول، بغض النظر عن انتمائهم الحزبى أو حتى من غير المنتمين أصلا إلى أى أحزاب.. واللجنة التأسيسية التى ستضع مسودة دستور جديد يُستفتى عليه الشعب، سيكون منهم بعض أعضاء من مجلسى الشعب والشورى من ذوى الخبرة والعلم والكفاءة مع غالبية من الشخصيات المُتميزة من أصحاب الرؤى الوطنية والخبرة فى شتى المجالات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والسياسية والدينية مسلمة ومسيحية، لأن هذه اللجنة منوط بها وضع «المرجع» لكل القوانين التى تحكم العلاقة بين المواطنين وسلطات الدولة المختلفة.

الشىء المؤكد أن مثل هذه الشخصيات – سواء فى الوزارة أو اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور- لن تكون ولا يمكن أن تكون إفراز انتخابات تُجرى للمرة الأولى بعد عقود من الديكتاتورية والاستبداد والتدخلات السافرة السافلة، وفى ظل حالة غير مسبوقة من إنعدام الإحساس بالأمن والأمان، وفى ظل فقر وجهل وأمية تُظلل ربوع الوطن، هى نتاج نظم حكم فاسدة منعدمة الضمير والأخلاق خاصة فى العقود الثلاثة الأخيرة. إذن والحال كذلك، لابد للعاقل أن يسأل: على أى شىء تتعارك وتتآمر وتتحالف وتتباعد كل هذه الأحزاب- خاصة القديمة منها أحزاباً وجماعات- التى لم تقدم شيئاً لمصر.

القضية الأهم فى رأيى ياسادة ليست هى هذه الانتخابات القادمة ولا هو ذلك البرلمان المُرتقب المُنتخب على أساس إعلان دستورى مُشوه ومُتناقض.. إنما القضية التى يجب أن تحوز جُل اهتمامنا فى الوقت الراهن، خاصة فى وسائل الإعلام المختلفة وفى اهتمامات الوطنيين الشرفاء من العلماء والمثقفين والكُتاب وسائر عُقلاء هذه الأمة هى: كيف نُعيد بناء الشخصية المصرية على أساس سوى من القدرة على التفكير العلمى المُنظم وإنكار الذات والتعود على العمل الجماعى والتحاور باحترام وإيثار المصالح الوطنية على المُكتسبات الشخصية والمقدرة على التواصل مع الآخر ونبذ العنف والتعصب والطائفية والتمييز بكل أنواعه وأشكاله، وهى كلها صفات لا تخطئها العين فى كل ما نشاهده ونسمعه سواء من النُخبة أو العامة.

إن ما حدث من تجريف للحياة السياسية المصرية طيلة العقود الأربعة الأخيرة، فى ظل تدهور تعليمى أنتج أنصاف متعلمين، وانحدار ثقافى أنتج أجيالا جاهلة وقِيماً هابطة وأخلاقيات مُتدنية،وكمثال صارت تفسيرات تعاليم الدين الإسلامى الصحيحة هى فقط ما يتلقاه عن البدو الوهابيين من الشرق.. وما يتصوره تحضراً وحداثة هو المظاهر والمُنتجات التى تأتيه من الغرب.. ونظرة واحدة إلى الشارع المصرى تشرح ما أردت قوله، حيث ترى ما لا يمكن أن تراه فى أى بلد فى العالم غير مصر، وأقصد به منظر الغالبية العظمى من الفتيات المصريات فى الشوارع اللاتى يرتدين الطرحة لتغطية شعورهن، فى حين يرتدين بنطلونات الجينز المحزق ويضعن المكياج بكثافة لإظهار مفاتنهن الأخرى!

 إنه مثال لما آلت إليه الشخصية المصرية من حِيرة وتذبذب وجهل فى قطاع ليس بالقليل من الشعب المصرى، ولكن الأكثر مدعاة للأسف والقلق أن الكثير من الأمراض التى تعانى منها الشخصية المصرية قد أصاب إلى حد كبير غالبية من يُطلق عليهم «النُخبة» بمعنى صفوة المجتمع المُفترض أن يكونوا قادته إلى المستقبل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق