اخر الاخبار

30‏/11‏/2011

كل شىء تغير بقلم ضياء رشوان

ما جرى فى مصر يومى الانتخابات فاق توقعاتنا جميعاً، فهذه هى الانتخابات الأولى التى تجرى منذ عشرات السنين بهذا الإقبال الهائل، وبهذا التحضر دون عنف تقريباً، وبهذا التنظيم باستثناءات طفيفة، الأمر الذى يضعنا بعد نهاية المراحل الثلاث لانتخابات مجلس الشعب أمام واقع جديد تماماً فى المشهد المصرى بعد الثورة سيتغير فيه دور وأداء أطرافه الرئيسية.

فالشعب عادت إليه ثورته ليصبح هو المتحكم الوحيد فى مسارها عبر أصواته وصناديق الانتخاب التى عادت إليها السيادة على جميع القوى السياسية التى كثيراً ما تحدثت باسم الشعب دون أن يكون لدى أى منها تفويض أو توكيل حقيقى بذلك.

 الشعب عاد للمرة الأولى منذ أن أسس محمد على دولته الحديثة لكى يصبح بالفعل هو مصدر السلطات والقادر الوحيد على اختيار من يمثله ويحكمه وعلى معاقبته فى الانتخابات التالية بحجب تأييده عنه إذا لم يحقق له آماله أو نكث بوعوده. لقد عرف المصريون أخيراً ونهائياً طريقهم للتغيير عبر صندوق الانتخاب فى ممارسة نظيفة وحرة، ولن تستطيع قوة بعد ذلك أن تحرفهم عنه أو أن تختار لهم، رغماً عنهم، طريقاً آخر.

والجيش تغيرت صورته المترددة التى راجت لدى المصريين خلال الشهور الأخيرة، وبدا لهم قادراً وبفاعلية كبيرة على إدارة أول انتخابات حرة فى البلاد وضبط الأمن فيها بحزم ونعومة فى الوقت نفسه، مما جعل يومى الانتخابات أكثر أيام مصر أمناً منذ اندلاع ثورتها قبل عشرة شهور. الجيش لن يستطيع، ويجب ألا يعود مرة أخرى إلى تردده السابق وعدم حسمه لقضايا الحياة بالنسبة للمصريين، خاصة قضية الأمن،

 فقد اختفى المجرمون والبلطجية وكل من كانت الانتخابات تقليدياً المسرح الذى يزداد ظهورهم عليه، بفضل الجيش، وهو لن يستطيع بعد ذلك أن يسمح لأى تجاوز أمنى بأن ينغص حياة المصريين واستقرارهم وإلا عاد بعضهم لاتهامه بالضعف أو التقصير أو التواطؤ، وهو ما لن تسمح به هيبته وتاريخه العريق.

والقوى السياسية المختلفة عرفت أخيراً أن الشعب، فى أول انتخابات حرة يمارسها فى تاريخه الحديث، بدا قادراً على التمييز بين ألوانها واتجاهاتها، وراح يمارس بقدر معرفته الأولية حقه فى الاختيار والتصويت لقوائمها المختلفة. القوى السياسية أدركت بوضوح أنه لا طريق أمامها للسير فى الطريق الديمقراطى سوى أن تتحول إلى أحزاب منظمة تهتم بالأفكار والرؤى بقدر اهتمامها بالعمل التنظيمى الذى بدا أنه أحد أهم الطرق للوصول للمصريين وكسب ثقتهم وأصواتهم فى الانتخابات العامة.

 لن تعود القوى السياسية غالباً بعد هذه الانتخابات إلى عهدها القديم، مفككة هلامية غير محددة المعالم، بل ستتحول الحقيقية منها إلى أحزاب واقعية وليست افتراضية، بينما ستختفى من الساحة كل الوهمية والخيالية منها.

أما ميدان التحرير، فلن يعود بعد الانتخابات أبداً كما كان قبلها مفجراً للثورة العظيمة ومحركاً لأهم تطوراتها ومراحلها. فالانتخابات الديمقراطية التى تجرى فى مصر الآن ستنقل شرعية تمثيل الشعب من الميدان، الذى كان مصدرها الوحيد أثناء مراحل الثورة، إلى صندوق الانتخاب الذى يمثل بداية بناء النظام السياسى الجديد.

ميدان التحرير سيظل مكاناً للاحتجاجات بمختلف أنواعها، ولكن الثورة بالانتخابات الحالية شقت لنفسها طريقاً آخر يمر بكل شوارع مصر وحواريها وميادينها الصغيرة وقراها وبيوت أبنائها بكل فئاتهم، وهو الطريق الوحيد لبناء مصر المستقبل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق