اخر الاخبار

10‏/08‏/2011

ثالوث قيادة الثـورة (٢- ٢) اتفقوا.. يرحمكم الله بقلم جمال البنا

فى مقالنا الأربعاء الماضى تحدثنا عن ضلعين من أضلاع ثالوث قيادة الثورة، ألا وهما ائتلاف الشباب الذى فجر الثورة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى حمى الثورة واعترف بها وأعلن أنه لا يريد سلطة وإنما يريد تأمينها حتى تتوصل إلى الصيغة الشرعية. وانتقدنا فى المقال تقاعس ائتلاف الثورة عن أن يعجل للإمساك بزمام الأمور، أو على الأقل الإسهام فى ذلك بشكل عملى، كما انتقدنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه تباطأ فى ممارسة مهامه، وأنه يمارسها بروح غير ثورية مما أدى إلى قلق الشعب واستيائه، وأنه أصدر عددًا من القوانين والقرارات لم تكن سليمة، وأنه قاد الانحراف بالثورة فى زقاق التعديل الدستورى، وإن لم نحرمه حقه من التقدير لأنه سلك المسلك الذى نتوقعه من جيش مصر العظيم، وأننا فى هذا المقال سنتحدث عن الضلع الثالث وهو قاعدة المثلث وهو الشعب وقد أشرنا فى مقالنا السابق أنه قسمة بين كتلتين، الكتلة الأولى المعسكر الإسلامى الذى يضم الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والسلفيين والصوفية، والكتلة الثانية هى الليبراليون الذين يؤمنون بالحرية ويريدون دولة ديمقراطية، ويدخل فيهم ائتلاف شباب الثورة ومراكز الحقوق الإنسانية والمجتمع المدنى ومن الأحزاب حزب الوفد المدنى، كما يقع على المثقفين دور كبير فى بلورة المفاهيم وإرشاد الناس.
على كل حال يبدو لى أن الحال لن يتسع للحديث عن هؤلاء رغم أنهم الأمل فى مجاوزة الأزمة، لأن الحديث عن معسكر الإسلاميين يتطلب كتبًا «متلتلة» وليس مقالات معدودة.

وقد تحدث الإخوان كما لو كانوا يملكون مفاتيح المستقبل السياسى وتحدثوا عن الأغلبية وأنهم سيقنعون بنسبة ٣٠%، أما السلفيون الذين ظهروا فى آخر التجمعات واكتسحوا الميدان كجراد منتشر ففر من أمامهم العلمانيون «الجرابيع» وآووا إلى الخيام وظهر الأقباط حاملين الصلبان.

أريد أن أسوق إلى الإخوان المسلمين هذه الملاحظات:

أولاً: الإسلام رسالة هداية بلورها الله تعالى فى القرآن وعمل على تطبيقها الرسول فى الأرض، ومعنى هذا أنه يعتمد على «الكلمة» وعلى الحوار وعلى إعمال العقل، وأن هذه هى طرق الإيمان فلا قيمة لإيمان قسرى أو إيمان وراثى، فالإيمان الحقيقى هو إيمان من تفكر فى أصول ومبادئ الإسلام كما وضعها القرآن فهفت نفسه إليه ووجد فيه ما يبحث عنه فآمن طوعًا وبعد تفكير.

ثانيًا: رزق الإسلام أول فتح عظيم عن هذا الطريق، فقد أرسل الرسول مصعب بن عمير ليعلم الأنصار الإسلام ونجح مصعب بن عمير فى مهمته حتى أسلم معظم الأنصار وبهذا «فتحت المدينة بالقرآن» كما قالت عائشة إنها لم تفتح بضربات سيف أو بطعنات رمح ولكن بالكلمة الطيبة، بالقرآن.
وهذا الفتح هو فتح الفتوح الذى قام عليه كل الفتوحات الإسلامية فى آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهو الذى ظل عندما اكتسحت الردة العرب فلم تبق إلا مكة والمدينة.

قارن هذا بفتح الأندلس التى فتحها المسلمون وغرسوا فيها بذور حضارة إنسانية رائعة تضم اليهود والنصارى والمسلمين وتتعايش الحضارات وتتلاقى الثقافات وظهر فيها علماء فتحوا أبواب العلم الحديث، ولكن هذا كله تهاوى بعد ثمانية قرون وحورب حرب إبادة للناس وتدمير للآثار حتى محى اسمها ولم يعد الإسبانى يعلم شيئاً عن تلك الحقبة الزاهرة من تاريخ بلده والتى استمرت ثمانية قرون وقدمت لأوروبا العلماء فى الحساب والجبر والهندسة واللوغاريتمات.

وعندما تدهورت أوضاع المسلمين فى الأندلس كانت تركيا تبلغ الأوج وكان جيشها يحارب أوروبا وينتصر عليها، ولكنه لم يقدم يد العون بالصورة المطلوبة للمسلمين فى إسبانيا، ودل هذا على أن السياسة لا يعنيها الإسلام وإنما تعنيها مصلحتها.

ثالثاً: جاء دخول الفساد فى عالم الإسلام عن طريق سوء الحكم الذى أدى بالمسلمين لأن يقتلوا عثمان وهو يقرأ القرآن وزوجته تذب عنه فتذهب السيوف بأصابعها، وفى سنة ٤٠ هجرية حوَّل معاوية بن أبى سفيان الخلافة الراشدة إلى ملك سلطوى وراثى عضوض، وحفل القرن الأول الهجرى الذى يفترض أن يكون أفضل القرون بأسوأ طغاة وحكام فظهر زياد بن أبيه، والحجاج بن يوسف، وعبد الملك بن مروان، والسفاح، وأبو مسلم، وكلهم طغاة، قتل كل واحد منهم عشرات الألوف من المسلمين، وحدثت كربلاء التى أريد بها إبادة نسل الرسول،

وضربت المدينة بالمنجنيق، ووقف نصف المسلمين فى صفين يقاتل النصف الثانى، وإثقال الناس بالضرائب لا نرى فى التوجيهات التى يكتبها الفقهاء عن واجبات الحاكم شيئاً عن النهوض بالزراعة والصناعة ورعاية البحث العلمى، ولا العناية بمرافق البلاد وطرقها البرية والبحرية، ولا العناية بالصحة إلا فى العاصمة، لا نرى كلمة عن هذا كله فى «الأحكام السلطانية» للماوردى أو «السياسة الشرعية» لابن تيمية، وإنما نرى المقاصد الخمسة التى تمثل إفلاس رجل الدين فى وضع مشروع سياسى.

وطوال ١٤٠٠ سنة من معاوية حتى قضى مصطفى كمال أتاتورك على الخلافة التى لم يكن فيها شىء من الخلافة وإنما هى سلسلة من المظالم.

ومعنى هذا أن السياسة لم تقدم خيرًا للإسلام طوال هذه القرون، وإنما استغلت الإسلام لتحقيق مقاصدها البعيدة عن الإسلام، وإنما حدث لأن الإسلام دعوة هداية والحكم ممارسة للسلطة لأن الإسلام رسالة هداية تعمل بالكلمة الحسنة وبإعمال العقل بينما السياسة ممارسة لأشنع الممارسات وهى السلطة البعيدة كل البعد عن الإسلام وكانت النتيجة إفساد الدين والدنيا.. الإسلام والحكم.

وفى العصر الحديث قامت محاولات لفرض حكم إسلامى فى الجزائر والسودان وسوريا والأفغان ومصر وكلها فشلت فشلاً ذريعًا لأن تصل إلى الحكم وكانت هى المناسبة لضرب الهيئات الإسلامية.
■ ■ ■
نعود إلى السياق فأقول إنى رغم كراهيتى للانتخابات واعتبارها أكبر موكب للنفاق والكذب والزيف، فلا فائدة مادامت كل الهيئات الإسلامية قد أصرت على تأليف أحزاب ودخول انتخابات.

هناك مخرج وحيد يمكن للإخوان والهيئات الإسلامية، هو أن تجعل مهمتها المعارضة لا الحكم، فتقول للحكومة أحسنت إذا أحسنت وتقول لها أساءت إذا أساءت، وإذا وجدت أمامها مشروعاً بقانون سيئ فإنها تقاومه حتى تقضى عليه، حتى يمكن لها أن تتقدم بما تشاء من قوانين.

وإنما يمكنها ذلك لأن مجلس الشعب هيئة تشريع وليست للحكم فالحكم فى السلطة التنفيذية، وكل تحفظاتنا على العمل السياسى متأتية من زاوية الحكم والسلطة المفسدة، ولكن مجلس الشعب لا يتعرض لهذا، ومن الممكن للهيئات الإسلامية إذا أخذت وضع المعارضة أن تقوم بدور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهو الذى يُجمل العمل السياسى فى الإسلام.

وفى هذه الحالة فيفترض أن لا يشغل أحد منهم منصبًا وزاريًا، ولا أن يتولى وزارة، وإذا عرضت عليهم- حتى لو كانت وزارة التعليم ومع وعد منهم بتحقيق ما تقترحه من إصلاح- فالواجب المحتم أن يقول شكرًا.. ولكننا نعتذر، فنحن لسنا رجال حكم ولا نتقلد سلطة، ونحن على استعداد لأن نكتب إليكم بما نشاء وأن نعالج ما فعلتموه بكل عدل وإنصاف.
إن هذا وحده هو ما ينقذكم من الخطر المستطير الذى يحيط بكم، ويبعد عنكم السياسة.
■ ■ ■

وما أقوله للإخوان.. أقوله للسلفيين.. والجماعة الإسلامية التى يعز علىَّ أنها تعود عن مراجعاتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق