اخر الاخبار

24‏/11‏/2011

فقيهان ضد التيــار (٢- ٣) بقلم جمال البنا

لم نتعرض فى المقال السابق لشخصية الفقيه الذى تصدى لقضية النسخ فى العصر القديم عندما كاد النسخ أن يكون إجماعًا، ذلك هو أبومسلم محمد بن بحر الأصفهانى الذى قيل عنه «كان معلمًا معتزلاً وكاتبًا مترسلاً وبليغًا جذلاً وعالمًا بالتفسير وصنوف العلم من أهل أصفهان ولى أصفهان وبلاد فارس للمقتصد العباسى، واستمر إلى أن دخل على بن بابويه أصفهان فى منتصف ذى القعدة سنة ١٣٢١ فنزل ومات سنة ١٣٢٢».

وعندما أعلن أبومسلم عن فكرته تصدى له كل فقهاء عصره ومن بعدهم بالمعارضة والتسفيه، قال الشوكانى فى «إرشاد الفحول» المسألة الثانية: النسخ جائز عقلاً وواقع سمعًا بلا خلاف فى ذلك بين المسلمين إلا ما يروى عن أبى مسلم فإنه قال «إنه جائز غير واقع وإذا صح هذا عنه فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة المحمدية جهلاً فظيعًا»، وبعد الإشارة إلى موقف اليهود، يقول «والحاصل أن النسخ جائز عقلاً وواقع شرعًا من غير فرق بين كونه فى الكتاب والسُــنة، وقد حكى جماعة من أهل العــلم اتفاق أهل الشـــرائع عليه، فلم يبق فى المقام ما يقتضى تطويل المرام».

وقال السيوطى فى «الإتقان»: «والنسخ مما خص الله به هذه الأمة لحكم منها التيسير، وقد أجمع المسلمون على جوازه».

وفى فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت: «وأجمع أهل الشرائع علة وقوعه سمعًا خلافًا لأبى مسلم الأصفهانى الجاحظ من شياطين المعتزلة وهو لا يصح من مسلم يدعى إسلامه إلا بتأويل، وقد أوّل بأنه لا ينكر حقيقة الأزمان كتخصيص الأفراد، وقيل النسخ عنده الإبطال وينكره ويدل عليه استدلاله، وقيل ينكره فى شريعة واحدة فقط، وقيل فى القرآن الكريم فقط».

وقال ابن كثير: «والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ فى أحكام الله تعالى لما فى ذلك من الحكمة البالغة وكلهم قال بوقوعه، وقال أبو مسلم الأصفهانى المفسر لم يقع شىء فى القرآن الكريم، وقوله ضعيف مردود مرذول».

بعد هذا كله يمكن لقارئ أن يقول إن الفقهاء عندما أجازوا نسخ القرآن بالقرآن، ونسخ السُـنة للقرآن على أساس أن السُـنة وحى كالقرآن فإنهم مكنوا الكائدين للإسلام وما أكثرهم من أن يقحموا مئات الألوف من الأحاديث الموضوعة فى السُـنة واصطنعوا لها سندًا يرقى إلى عائشة أو عبدالله بن عمر أو ابن مسعود.. إلخ، تحل الحرام وتحرم الحلال، وتدعى على القرآن سورًا ناقصة، وتلحق بالرسول «صلى الله عليه وسلم» أنه سحر وما لا يمكن أن يعقل أو يُحمد مثل إنه كان، يطوف على زوجاته جميعًا كل يوم.. إلخ، ولما كان المحدثون قد توسموا فى قبول تعبير الصحابة فأدخلوا فيهم الصبى وكل من رأى الرسول «صلى الله عليه وسلم» ولو للحظة واحدة، فقد دخل على السُـنة مئات الألوف من الأحاديث، كما يعترف بذلك المحدثون أنفسهم، فالإمام أحمد كان يعرف مليون حديث والبخارى اختار صحيفة من ستمائة ألف حديث .. إلخ، وقد تعرضت معظم هذه الأحاديث للدس والمكيدة.

أقول: إننا عالجنا هذا الموضوع بتفصيل فى كتابنا «تفنيد دعوى النسخ فى القرآن الكريم».

■ ■ ■

من النت

■ ما إن نشر مقال «يا حضرات القضاة.. متى تواتيكم الشجاعة للدعوة لإلغـــاء وزارة العـــدل»؟؟.. حتى وافانا عدد من القراء بتعليقات ممتازة لم نتنبه لإيرادها، ونستدرك ذلك بإيراد مقتضب للأستاذ أحمد مكى والأستاذ محمود مكى، ونأمل أن نستكملها فى العدد القادم أو تكون موضوعًا لمقالتين، وتعقيب الأستاذين الكريمين، وهو عن النيابة العامة:

تقول محكمة النقض فى القضية رقم ١٤٤٤ لسنة ٢ ق بجلسة ٣١/٣/١٩٣٢ مجموعة القواعد منذ ١٩٣١ حتى ١٩٥٥ ص ١١٨١ ق (١) «النيابة العامة هى من النظم المهمة فى الدولة المصرية، أشار الدستور الى وجودها فى كلامه عن السلطة القضائية وهى فى حقيقة الأمر وبحسب القوانين التفصيلية المعمول بها فى مصر شُـعبة أصيلة من شُـعب السلطة التنفيذية، خصتها القوانين بمباشرة الدعوى العمومية نيابة عن هذه السلطة، وجعلت لها وحدها حق التصرف فيها تحت إشراف وزير الحقانية ومراقبته الإدارية، ولئن كانت القوانين المصرية قد جعلت للنيابة سلطة قضائية فى التحقيق فإن هذا الحق الذى خوله لها القانون من شأنه أن يرفع مكانها ويزيد أهميتها ولكنه لا يغير طبيعتها».

النيابة العامة جزء من السلطة التنفيذية بلا خلاف فى الفقه القانونى العالمى. هى كذلك بصريح نصوص القانون الفرنسى الذى استعرنا منه بناءنا القانونى كله.. وهى كذلك فى مجموع الدول التى تتبع الفكر الإنجليزى والأمريكى الذى يجعل النائب العام عضوًا فى مجلس الوزراء، وذلك أن النيابة تقوم على أساس التبعية للنائب العام، فى حين أنه لا يجوز أن ينشأ بين القضاة أى نوع من التبعية، فكل قاض فى حد ذاته مستقل، لا يتبع أحد منهم أحدًا مهما علت درجته أو ارتفع مقامه، بل يجب أن يكون الخضوع للجمعيات العمومية للمحاكم، وإنما أوقع الالتباس أن مصر جمعت فى يد النيابة سلطة التحقيق وسلطة الاتهام.. ولقد كان قانون تحقيق الجنايات الصادر ١٨٨٣، والمستعار من فرنسا يفصل بينهما..

فقصر اختصاص النيابة على سلطة الاتهام ويسند التحقيق إلى قاض حرصًا على الحيدة والاستقلال.. وفى سنة ١٨٨٩ نقل سلطة التحقيق إلى المحافظين ومديرى المديريات ووكلائهم وفى سنة ١٨٩٥ أسند هذا الحق إلى النيابة العامة تحت إشراف المحافظين ومديرى المديريات، ثم نقل سلطة الإشراف إلى وزير العدل منذ سنة ١٩٢٧، ولقد أدى الجمع بين سلطة الاتهام والتحقيق بمحكمة النقض أن تقول «إن أعضاء النيابة لا يتبعون رئاساتهم إلا فى شأن سلطة الاتهام، أما النيابة بصفتها سلطة تحقيق فلا يصدق ذلك عليها لأنها خولت هذه السلطة استثناء وحلت فيها محل قاضى التحقيق لاعتبارات قدرها الشارع، ولذلك فإنه يجب أن يعمل كل عضو فى حدود تلك السلطة مستمدًا حقه لا من النائب العمومى بل من القانون، هذا هو المستفاد من نصوص القانون فى جملتها، وهو الذى تمليه طبيعة إجراءات التحقيق باعتبارها من الأعمال القضائية البحتة التى لا يتصور أن يصدر فيها أى قرار أو أمر بناء على توكيل أو إنابة، بل يجب ــ كما هى الحال فى الأحكام ــ أن يكون مصدرها قد أصدرها من عنده هو شخصيًا ومن تلقاء نفسه وبناء على اقتناعه» (نقض ٢٢/٦/١٩٤٢ الطعن ١٤٦٦ لسنة ١٢ المرجع السابق ص ١١٨١ بند ٤) كل ذلك فى شأن المصريين فقط..

أما الأجانب فقد كان قاضى التحقيق هو الذى يختص بتحقيق الاتهامات المنسوبة إليهم، وفقًا للأصول المرعية فى دول العالم أجمع ولما أرادت مصر إلغاء المحاكم المختلطة، اشترطت الدول الأوروبية على الحكومة المصرية أن تتبع الأصول المرعية فى العالم المتحضر، فصدر قانون الإجراءات الجنائية الحالى ١٥٠ لسنة ١٩٥٠ متضمناً الفصل بين سلطتى الاتهام والتحقيق ثم عصف بهذا النظام فى ٢٥/١٢/١٩٥٢ بالقانون ٣٥٣ لسنة ١٩٥٢ ثم تبعه القانون ١٢١لسنة ١٩٥٦.. ثم آلت للنيابة سلطات مستشار الإحالة، وسلطة غرفة المشورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق