اخر الاخبار

18‏/11‏/2011

المشى فوق حد السيف بقلم د.حسن نافعة

أقصى ما يحلم به أى كاتب صحفى أن يوفقه الله للتعبير عما يجول فى خاطره بصدق، وأن يطرح اجتهاداته على القراء ليتفاعلوا معها بحرية، اتفاقا أو اختلافاً، لا تحدهم فى ذلك أى قيود. ولأننى أدرك أن كتاباتى تتضمن آراء تحتمل الصواب والخطأ، شأنها فى ذلك شأن كل اجتهاد بشرى، ولأن «فوق كل ذى علم عليم»، أبذل كل ما فى وسعى لتقبل كل نقد بصدر رحب، ولا أتردد مطلقاً فى الاعتراف بالخطأ وتصحيحه بمجرد اكتشافه، بل والاعتذار عنه إن كان هناك ما يستوجب مثل هذا الاعتذار.

وفى تقديرى أنه لا يعيب الكاتب أبداً أن يبدى آراءه بصراحة تامة، مهما كانت غير مألوفة، طالما أنها نابعة من قناعاته، وإنما يعيبه حقا أن يشكل هذه الآراء، وفق حسابات تتعلق بمنفعة خاصة، يسعى للحصول عليها، أو درء لضرر محتمل يحاول تجنبه.

ولأننى أعتقد أن الانخراط فى حزب سياسى، أو الإيمان المطلق بأيديولوجية ما، يشكل قيداً على حرية الكاتب فى التعبير وعادة ما يدفعه لاتخاذ مواقف «تبريرية»، دفاعاً عن الحزب الذى ينتمى إليه أو لإثبات صحة «الأيديولوجية» التى يؤمن بها، فقد كان الحرص على استقلالى الفكرى هو أحد أهم العوامل التى دفعتنى دائما للابتعاد عن الأحزاب والحذر من كل القوالب الأيديولوجية الجاهزة، التى يؤمن أصحابها إيماناً مطلقاً بصحتها وبقدرتها على تفسير كل المواقف والأحداث!

أعثر أحياناً، عند مطالعتى تعليقات القراء، التى أحاول الاستفادة منها قدر الإمكان، على وجهات نظر تعكس قوالب فكرية جامدة اعتادت على رؤية الأمور من منظور ثنائيات «الصواب والخطأ» أو «الحلال والحرام»، فأبتسم بينى وبين نفسى وأحسد أصحابها على ما هم فيه من راحة واطمئنان! لكنى أشعر بالكثير من الأسى والحزن حين يخرج أحد عن الحدود التى تفرضها آداب الحوار. فبعض من يفتقرون إلى الحجة والمنطق يرفعون الكاتب إلى عنان السماء، حين يبدى رأيا يتوافق مع قناعاتهم، ثم يهبطون به إلى أسفل سافلين ويرمونه بكل نقيصة، حين يبدى رأيا يخالف هذه القناعات!.

وللأسف فإن أغلب هؤلاء لا يبذلون جهداً كافياً لربط مايقرأون بالمواقف السابقة للكاتب، كى يستطيعوا استيعاب دلالاتها، وكثيرا ما يتعجلون فى الحكم على ما يقرأون دون استيعاب دلالاته بعمق. ويبدو أن هؤلاء لا يدركون حجم ما يعانيه الكاتب حين يصر على أن يكون مستقلا حقاً، وعلى ألا يكتب إلا ما يتسق مع ضميره، خصوصا حين يواجه بقضايا شديدة التعقيد، ومن ثم لا تحتمل الاختزال فى صواب وخطأ أو فى حلال وحرام، وتدفع أحياناً إلى المشى فوق حد السيف. من هذه القضايا ما يحدث فى سوريا الآن، والذى يحتاج منا جميعاً إلى جهد خاص لفهمه!

لقد حاولت فى كتاباتى السابقة عن هذا الموضوع أن أميز بين النظام الحاكم فى سوريا وبين سوريا الدولة، صاحبة المواقف القومية والداعمة للمقاومة الفلسطينية. ففيما يتعلق بالموقف من النظام قلت بوضوح، وبالحرف الواحد، ومنذ أكثر من خمسة شهور، إنه «لا يختلف فى كثير أو قليل عن بقية النظم العربية التى تجمع بين الفساد والاستبداد وأصبحت تشكل عقبة كأداء تعوق قدرة شعوبها على الانطلاق والتقدم» (سوريا إلى أين؟: ٢٢/٦)، لكننى أكدت فى الوقت نفسه، خصوصا فى مقال الأسبوع الماضى عن سوريا والجامعة العربية، حاجتنا الماسة إلى حل عربى حقيقى للأزمة يحول دون تدويلها.

ولأن أكثر الكارهين للنظام السورى لا يدركون بوضوح حجم الأخطار التى سيتعرض لها العالم العربى، إذا ما عجزت الجامعة العربية عن فرض حل عربى يسمح بتداول السلطة وبانتقال سلمى لها، وفق خطة منظمة تحافظ على سوريا الدولة وعروبتها ومواقفها القومية، يبدو أن البعض منهم لم يعد يمانع الآن من تكرار سيناريو العراق، ولا يتردد فى نعت كل من يحذر من تدويل الأزمة فى سوريا بالعمالة للنظام السورى وحلفائه.

يبدو واضحا الآن أن البعض يكره النظام السورى بسبب مواقفه القومية وتحالفه مع إيران ومع المقاومة الفلسطينية، وليس بسبب فساده أو استبداده. غير أننى لست بالقطع من هؤلاء، وأرجو أن يستوعب هؤلاء الدلالة الحقيقية لإصرار الكاتب على المشى فوق حد السيف فينتقد النظام السورى، لفساده واستبداده، ويحرص فى الوقت نفسه على ألا يؤدى سقوطه للإخلال بالتوازنات الإقليمية الهشة لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق