اخر الاخبار

25‏/11‏/2011

الاعتصامات قد تسقط نظاماً.. لكن الحوار هو الطريق الوحيد للبناء

تصوير ما يجرى فى مصر الآن على أنه مواجهة بين الشعب والجيش هو أكبر خطيئة يمكن أن ترتكبها وسائل الإعلام، لأن جيش مصر كان ولايزال وسيبقى بإذن الله رمزا للوطنية وأحد أهم أعمدة الدولة المصرية، لكن يتعين أن يكون واضحا فى الوقت نفسه أننا حين نتحدث عن الجيش المصرى فإننا نقصد المؤسسة العسكرية ككل، وليس أفرادا أو رموزا منها قد يصيبون أو يخطئون. ولأن للمؤسسة العسكرية المصرية منذ تأسيسها تاريخاً وطنياً عريقاً ومشرفاً، ولم يسبق لها على الإطلاق أن دخلت فى مواجهة مع الشعب، أو استخدمت للنيل من إرادته، فمن الطبيعى أن تحظى باحترام خاص فى عقل وقلب وضمير كل وطنى مصرى غيور على بلده.

أما رموز هذه المؤسسة من الشخصيات التى قدر لها أن تلعب أدوارا سياسية، لأسباب موضوعية أو لمصادفات تاريخية، فقد تباين حكم الناس والتاريخ عليها، ولقى كل واحد منهم مصيرا مختلفا، وهذا هو ما حدث لـ«أحمد عرابى ومحمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسنى مبارك»، وكلهم خرجوا من صفوف المؤسسة العسكرية المصرية. فـ«أحمد عرابى» حوكم فى ظل الاحتلال البريطانى، بعد فشل الثورة التى قادها، وحكم عليه بالنفى إلى جزيرة سيلان (سيريلانكا حاليا) وعاد بعد عشرين عاما ليموت فى مصر وحيدا منبوذا قبل أن ينصفه التاريخ فيما بعد. ودخل «محمد نجيب» فى صراع سياسى مع قادة ثورة يوليو، وعندما خسر رهانه فى أزمة مارس ١٩٥٤ عزل من منصبه، وفرضت عليه الإقامة الجبرية، ولاقى صنوفا من الهوان إلى أن أطلق الرئيس السادات صراحه عام ١٩٧٤.

وبينما مات «جمال عبدالناصر» وهو فى فراشه إثر أزمة قلبية حادة فاجأته فى ٢٨ سبتمبر عام ١٩٧٠، وخرجت الملايين تشيعه بالدموع والعويل، اغتيل «أنور السادات» بواسطة مجموعة من رجال القوات المسلحة، وأثناء عرض عسكرى أقيم فى ذكرى حرب أكتوبر التى انتصر فيها، ودفن فى جنازة رسمية وليست شعبية. أما حسنى مبارك فهو رئيس الدولة الوحيد فى تاريخ مصر الذى قامت ضده ثورة شعبية عارمة، نجحت فى عزله وتقديمه إلى محاكمة لم تنته فصولها بعد.

المشهد الذى يجرى أمام أعيننا الآن، والذى يبدو وكأنه يضع شعب مصر فى مواجهة مع قيادة جيشه، يبدو شاذا لأنه ليس له سابقة فى تاريخ مصر الطويل والممتد، لكن ليس فى حقيقته صراعا بين الشعب والجيش، ولكنه صراع بين شعب ثائر وقيادة سياسية جماعية، فوضها الشعب بحكم انتمائها إلى المؤسسة العسكرية التى يثق فيها، للعمل على تحقيق أهداف الثورة خلال إدارة مرحلة انتقالية محدودة. ولأنها فشلت فى تحقيق الأهداف التى حددها وانحرفت بالثورة إلى مسار لا يريده، فقد كان من الطبيعى أن يثور الشعب مرة أخرى لتصحيح مسار الثورة، وهو مصمم الآن على سحب التفويض الذى منحه، وعلى أن تدار المرحلة الانتقالية بطريقة مختلفة..

 لكن هذا لا يعنى مطلقا أن الشعب قرر سحب الثقة من الجيش، كما لا يعنى مطلقا أنه لم يعد للجيش دور يلعبه فى إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، لأنه مازال هو صمام الأمان الوحيد فى هذا البلد. كل ما فى الأمر أن الشعب يريد أن يشرك أطرافا أخرى فى إدارة المرحلة الانتقالية، بحيث يتولى ممثلون عن القوى صاحبة المصلحة فى التغيير إدارة الجوانب السياسية، ويقتصر دور الجيش على إدارة الجوانب الأمنية، سواء تلك المتعلقة بالأمن الداخلى لحماية الثورة من قوى الثورة المضادة المشكلة من تحالف أجهزة أمن النظام السابق وحزبه وجماعة رجال الأعمال التى التفت حول مشروع التوريث، أو تلك المتعلقة بالأمن الخارجى لحماية حدود الوطن ومصالحه.

بعد إقالة حكومة الدكتور عصام شرف يتعين الشروع فورا فى اتخاذ سلسلة إجراءات عاجلة، فى مقدمتها تعيين أحد أعضاء المجلس العسكرى لتولى قيادة وزارة الداخلية دون انتظار لتشكيل الحكومة الجديدة، ووضع قوات من الجيش للفصل بين قوات الأمن والمعتصمين فى ميدان التحرير، وذلك بالتوازى مع حزمة الإجراءات السياسية التى تحدثنا عنها فى عمود أمس.

التحلى بالحكمة والحس الوطنى هما مفتاح النجاح فى هذه اللحظة بالغة الحساسية والخطورة معا.. ونأمل أن يبقى الشعب والجيش «إيد واحدة» دائما.. اللهم احم هذا البلد الأمين من أعداء الداخل والخارج.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق