اخر الاخبار

14‏/11‏/2011

ولكن..! بقلم مجدى الجلاد

اطلب من ابنك كتاب التاريخ.. لا تفصح له عن السبب، حتى لا يمطرك بنظرات الإدانة.. تاريخ الشعوب يرسم ملامح وقسمات الواقع.. ابنك يعرف جيداً أن ما يحدث فى مصر الآن طبيعى ومنطقى، لأنه ـ ببساطة شديدة ـ يدرسه فى منهج التاريخ.. هو ينظر إليك بإدانة، يراقب ما فعلناه منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ حتى اليوم، ويقارنه بما فعله أجدادنا وآباؤنا، فلا يجد فرقاً: البدايات واحدة.. الأخطاء متطابقة.. والمصير مشترك!

يقرأ ابنك فى كتاب التاريخ أن مصر أمة عظيمة.. ولكن!.. ويحفظ عبارة متكررة فى كل صفحة «الشعب المصرى خير شعوب الأرض.. والإنسان المصرى أعظم معادن الدنيا».. ولكن..!.. زمان كان جيلنا يصدق الجزء الأول من العبارة.. كنا أبرياء أمام صندوق التاريخ، وحين كبرنا اصطدمنا بالواقع المر.. أما أبناؤنا فقد خرجوا من «صندوق التاريخ» المطلى بالعبارات الإنشائية، ليحلّقوا فى فضاء المعلومات والاتصالات.. «صندوق التاريخ المصرى» ضيق الأفق.. كاذب.. ومتجمل.. وأجيال اليوم تجيد كشف الكذب والزيف.. ولكن ما حكاية «لكن» فى الشخصية المصرية؟!
فى كتاب التاريخ ستقرأ: فى بداية القرن التاسع عشر، بدأ محمد على مشروع بناء مصر الحديثة، وقاد نهضة علمية وزراعية وصناعية كبرى.. و«لكن» المشروع فشل بعد تحالف قوى الغرب ضده.. عادت مصر إلى الظلام، بينما نهضت اليابان التى بدأت مشروعاً مشابهاً فى الحقبة نفسها.. لم يقل لنا التاريخ الأسباب الحقيقية.. ولم يهتم أحد من المفكرين والمؤرخين بالبحث فى داخلنا عن جوانب القصور فى المشروع ذاته.. كعادتنا، لجأنا إلى «التبرير الجاهز»: مؤامرة أجنبية..!

فى كتاب التاريخ ستقرأ: قاد الخديو إسماعيل نهضة ثقافية وحضارية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، اهتم بالتنوير والعلم والإبداع، وفتح أبواب مصر للمدنية والفكر.. و«لكن» أخفق المشروع، لأن صاحبه تكاثرت عليه الخطوب ورحل، فدفنّا مشروعه معه..!

فى كتاب التاريخ ستقرأ: قام الضباط الأحرار بحركة مباركة ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، أزاحوا الملكية الفاسدة وطردوا الاستعمار الغاشم، وتحولت الحركة إلى «ثورة» بالتفاف الشعب حول الضباط الشبان.. و«لكن» خطف كرسى الحكم بصر وبصيرة الضباط، وبدلاً من تأسيس دولة مدنية ديمقراطية، جثم العسكر على أنفاس مصر نصف قرن أو يزيد.. تقوقعت مصر الكبيرة على نفسها، وتراجعت عن ركب الحضارة، وانقاد الشعب وراء مشروع القومية العربية والنهضة الشاملة.. و«لكن» فى صباح ٥ يونيو ١٩٦٧ تحطم كل شىء.. وانكسر كل ما هو مصرى..!

فى كتاب التاريخ ستقرأ: فى ظهر ٦ أكتوبر ١٩٧٣ تفجرت «عظمة» المصريين.. عبروا الهزيمة على صفحة مياه قناة السويس.. كسروا شوكة «إسرائيل» واكتسحوا الضفة الشرقية.. و«لكن»، فجأة، توقف الزحف، ورفض السادات الوصول إلى المضايق.. انتصرنا فى العبور والقضاء على «وهم» العسكرية الإسرائيلية.. و«لكن» خرجنا من ثغرة الدفرسوار باتفاق متساو بين طرفين، الأول منتصر «ولكن».. والثانى مهزوم استفاد من «لكن» المنتصر..!

فى كتاب التاريخ ستقرأ «لاحقاً»: وقف العالم مبهوراً بأعظم ثورات التاريخ.. فى ٢٥ يناير ٢٠١١، تعلمت البشرية درساً مصرياً خالصاً فى التغيير السلمى.. و«لكن» الثورة التى أفرزت أفضل ما فينا فى ١٨ يوماً.. أفرزت أسوأ ما فينا منذ ١١ فبراير حتى اليوم.. نجحت الثورة فى إسقاط أعتى نظام حاكم فى الشرق الأوسط.. و«لكن» فشلت فى إسقاط «چين» التراجع وعدم استكمال المشوار بداخلنا..!

كلنا أسرى «لكن».. من المجلس العسكرى إلى حكومته إلى الأحزاب والتيارات السياسية والدينية.. إلى الشعب كله..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق