اخر الاخبار

11‏/11‏/2011

دعوة للقوى الإسلامية: اطرحوا بديلاً بقلم د. شادى الغزالى

فى خضم الحديث المنتقد لوثيقة السلمى الأخيرة، برزت التيارات الإسلامية على أنها المستفيد الأكبر من هذا الهجوم الضارى على الوثيقة، فبعد أن كانت معزولة فى رفضها المبدئى للوثيقة لأسباب لا نعلم أغلبها، انضمت إليها معظم التيارات الأخرى من ليبرالية أو يسارية أو من شباب الثورة، بعد أن تم حشر مواد تعضد الحكم العسكرى فى وثيقة يفترض أن هدفها حماية مدنية الدولة وحريات مواطنيها وإرساء دولة قانون يعامل كل المواطنين ومؤسسات الدولة على قدم المساواة، فأصبحت هذه المواد بمثابة الهدية التى منحتها وثيقة السلمى للتيارات اليمينية لتنضم إليهم التيارات الليبرالية واليسارية فى رفض الوثيقة- وهم دعاتها فى الأساس- لتفقد وثيقة المبادئ الدستورية الغالبية الأكبر من مؤيديها، وهو للأمانة ما أنذرنا منه فى الاجتماعات التحضيرية عندما عرض علينا اقتراح إضافة هذه المواد التى توسع من سلطات المجلس العسكرى، ولكن على ما يبدو فإن هذه الاقتراحات كانت بالفعل مستقرة فى ضمير واضعى الوثيقة، فلم يأبهوا لتحذيراتنا، وأصروا على وضع هذه القنبلة التى انفجرت فى وجه كل من يريد ضمان دولة مدنية حديثة فى مصر، لمصلحة من يريد الاستئثار بوضع الدستور، فما المخرج من هذا المأزق الصعب؟

قد تكون إحدى الإجابات عن هذا التساؤل هو أن ينزل المجلس العسكرى على رغبة الجميع ويرفض وضع هذه المبادئ فى وثيقة المواد الأساسية للدستور على أن تناقش صلاحيات المجلس العسكرى وميزانيته عند وضع الدستور نفسه من قبل اللجنة التأسيسية، هذا بالطبع هو أفضل السيناريوهات، ولكن هو فى الوقت ذاته، وطبقا لخبراتنا السابقة مع المجلس العسكرى- وأتمنى أن أكون مخطئا- أقلها قابلية للحدوث على أرض الواقع، فمسار ثورتنا حتى الآن يعلمنا أننا نحن من يجب أن يمسك بزمام المبادرة لكى ننجح، إذن فالكرة فى ملعبنا نحن كقوى ثورية من أقصى اليمين لأقصى اليسار، فقد وضعتنا تلك المسودة أمام خيارين كلاهما مر، إما الدولة الدينية أو الدولة العسكرية، فماذا نحن بفاعلين؟

طبعا ستخرج علينا التيارات الإسلامية وفى مقدمتها الإخوان المسلمين ليقولوا من قال إننا بصدد دولة دينية؟ وأنه لا وجود لدولة دينية فى الإسلام- بالضبط كما يقول المجلس العسكرى بأنه لا مكان للنظام العسكرى فى مصر، ثم يفاجئنا بهذه الصلاحيات المقترحة، وتطالب التيارات الإسلامية القوى المدنية بأن يثقوا فى حسن نواياهم- كما يفعل المجلس العسكرى أيضا- وكأن التاريخ يكتب بالنوايا، بعيدا عن هذا الكلام المعسول, فالواضح للأعمى أن هناك انعداماً كاملاً للثقة بين جميع الأطراف، وهذا طبيعى فى ديمقراطية مازالت فى المخاض كالتى نحن فيها، وأن هذه الثقة لن تبنى على كلام معسول، بلا أفعال وتجربة حقيقية، خاصة أن كثيراً من وعود الإخوان لم يتم الالتزام به فى الماضى القريب، وأقرب تلك الوعود هو ما يخص نسبة مشاركتهم فى الانتخابات التى بدأت بثلاثين، ونراها الآن تعدت الخمسين فى المائة من مقاعد البرلمان،

وكذلك أيضا ما أشيع عن أن الإخوان قبلوا بالفعل بهذه المواد الخاصة بصلاحيات المجلس العسكرى- باستثناء حمايته للشرعية الدستورية- وراء الأبواب المغلقة، وذلك فى فترة شهر العسل التى كانت تجمعهم بالمجلس وكنا نحذرهم وقتها من سيناريو عام أربعة وخمسين، ولهذا يجب أن يدرك الإخوان أن تمسكهم بحجة شرعية الاستفتاء لن يؤدى إلا لاتساع الفجوة بينهم وبين التيارات الأخرى وترسيخ الانطباع بأن الأغلبية المقبلة هى التى ستتحكم فى وضع دستور بعيد كل البعد عن أى توافق، كما أن توظيف التخوف من إضفاء حماية على المؤسسة العسكرية- خاصة بعدما قيل عن صفقات سابقة بين الإخوان والمجلس كما ذكرت- هو أيضا ليس كافيا لأن تستسلم باقى القوى للأمر الواقع وتقبل وضع دستور جديد يجسد ديكتاتورية الأغلبية السياسية، وبذلك هم يدفعون باقى القوى السياسية لأحضان المجلس العسكرى ويتحملون مسؤولية تاريخية بدفعنا لدولة عسكرية جديدة نتيجة لتعنت يضعفنا جميعا، إذن فالوصول لصيغة تتفق عليها القوى السياسية المختلفة وتتوافق عليها هو المخرج الوحيد لهذه الأزمة.

وعلى الجانب الآخر، يجب أن تدرك القوى الليبرالية واليسارية أن العودة لحكم عسكرى مقنّع ليس هو المخرج الوحيد من نار الدولة الدينية، فالدولة العسكرية- شئنا أم أبينا- هى استمرار لنظام مبارك حتى إذا كانت فى ظل رئاسة رئيس مدنى محدود الصلاحيات وبرلمان مقيد فى قدرته على المراقبة والمتابعة، وأنه لا مجال للمقايضة فى بناء دولتنا الحديثة التى نسعى جميعاً إليها، وأن السبيل الوحيد للوصول إليها هو توافق مجتمعى حقيقى.

إذا وصلنا بالفعل جميعا لهذه المرحلة من إدراك جسامة المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا جميعا، وأعلينا مصلحة الوطن فوق مصلحة أى جماعة أو فئة أو تيار سياسى سنتمكن عندئذ من الجلوس معا والوصول لتوافق حقيقى يطمئن جميع الأطراف، بأننا- بالفعل وليس بالقول- بصدد بناء دولة مصرية حديثة، لنخرج جميعا من حالة الإحباط التى يعانى معظمنا منها حاليا بإحساسنا بأن الثورة ضلت الطريق، وظنى أن هذا هو التوافق الأهم وقد يكون الأخير الذى نحتاجه فى هذه المرحلة لإرساء القواعد الأساسية التى قامت من أجلها الثورة، وبعد التوافق حول أسس بناء هذا الوطن، نعود بعدها للمنافسة السياسية والانتخابية لتكون الحكومة هى وسيلة تنفيذ البرامج السياسية وهى مجال التنافس السياسى، وليس وضع أسس الدولة فى إطار الدستور هو مجال المنافسة.

ولكن السؤال الأهم والأصعب الآن هو كيف نصل لهذا التوافق؟ لقد رأينا الكثير من المبادرات فى الفترة الماضية من مختلف القوى المدنية، ولكن حتى الآن لم نر مبادرة حقيقية واحدة من القوى الإسلامية تخبرنا فيها عن رؤيتها لمبادئ الدستور الخاصة بالحريات والحقوق الأساسية للمواطن، وكذلك معايير اختيار اللجنة التأسيسية للدستور، وهذا الغياب عن طرح رؤيتهم هو أحد أهم العوامل التى تؤرق القوى الأخرى،

 فبعيدا عن إلزامية الوثيقة من عدمها، يجب على هذه التيارات أن توضح لنا نواياها إذا أحرزت أغلبية، حتى ولو من قبيل عرض البرنامج الانتخابى الذى تلتزم به القوى المرشحة على مقاعد البرلمان، إذن أنا هنا أدعو القوى الإسلامية وفى مقدمتها الإخوان المسلمين أن تطرح رؤيتها فى وثيقة مقابلة لوثيقة السلمى ويناقشها الرأى العام، هذه الوثيقة البديلة ستضع الجميع كل أمام مسؤوليته التاريخية لتكون نتيجتها أحد طريقين، إما أن تطمئن هذه الوثيقة القوى المدنية وتناقشها جديا لتسحب أى تأييد لوثيقة السلمى وتقطع الطريق على توسيع سلطات المجلس العسكرى، أو أن تجد القوى المدنية أن التيارات الإسلامية تنتوى بالفعل سحبنا لعصور وسطى مظلمة تهون أمامها السلطة العسكرية التى ننعم بها حاليا!!

ولكن الأجدى فى هذه الحالة فى اعتقادى هو أن تنظم القوى المدنية صفوفها وتستعد لخوض جولة طويلة من النضال الشعبى ضد كل من القوتين المتصارعتين على مستقبل مصر، فمستقبل مصر يجب أن نصنعه نحن بأيدينا كما علمتنا ثورتنا المجيدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق