اخر الاخبار

17‏/11‏/2011

أمريكا والإخوان والليبراليون فى مصر بقلم د. منار الشوربجى

مدهشة حقاً الطريقة التى تعاملنا بها فى مصر مع التصريحات التى صدرت عن وزيرة الخارجية الأمريكية، ومساعدها المنسق الأمريكى لشؤون انتقال السلطة فى الشرق الأوسط، فقد تم اقتلاع عبارة «سنكون راضين إذا فاز الإخوان»، التى قالها وليم تيلور من سياقها وأضيف إليها ثناء هيلارى كلينتون على حزب النهضة التونسى لنقفز من هذا وذاك لنتيجة مؤداها أن أمريكا لم يعد عندها مشكلة فى وصول الإسلاميين للسلطة! وصدّق الجميع الحكاية، فانطلق البعض بالفعل ينتقد أمريكا منبهاً لخطورة ما أقدمت عليه، بينما انتفض الإخوان المسلمون معتبرين أن موقف أمريكا هذا «محاولة للوقيعة بين الإسلاميين والجيش». الطريف أن ما علق عليه الجميع لا علاقة له بالمرة بما قالته الوزيرة ومساعدها! الأخطر أننا حين تجاهلنا السياق، اعتبرنا أن هناك تحولا فى موقف أمريكا من الإسلاميين بينما التحول الحقيقى هو فى موقف أمريكا من الليبراليين!

فلا يوجد تحول جوهرى فى موقف إدارة أوباما من الإسلاميين، فالحاصل أن الإدارة فوجئت بالثورة المصرية وأدركت بعد سقوط مبارك أن عهد التعامل مع ديكتاتوريات تحقق مصالحها، دون اعتبار لإرادة الشعوب، قد ولّى، وأنه قد صار عليها الآن التعامل مع شعب مصر لا مع حكومته وحدها، وأدركت أمريكا مع الوقت أن التيار الإسلامى شاءت أم أبت له وجود مهم على الأرض ليس فقط فى مصر وإنما فى دول عربية أخرى، بما فيها ليبيا، التى ساعدتها على التخلص من القذافى، ولأن الولايات المتحدة دولة ذات مصالح تسعى لحمايتها، فقد وجدت من مصلحتها ألا تعارض من حيث المبدأ وصول الإسلاميين للسلطة. ولعل أهم النقاط التى أبرزها تيلور وكررتها كلينتون أن الإدارة تعتبر أن التحولات العربية «فرصة» مهمة مادامت أمريكا ستعمل على الدفع بها «للطريق الصحيح»، وهو المعنى نفسه الذى عاد إليه تيلور حين قال: «إن الأفضل هو التعامل مع الإسلاميين من (أجل التأثير عليهم)». ولا جديد فى كل ذلك، خصوصا إذا ما نظرنا إلى المعايير والشروط التى حددها المسؤولان الأمريكيان بخصوص التعامل مع الإسلاميين.

فتيلور قال فعلا «إننا سنكون راضين لو فاز الإخوان المسلمون فى انتخابات حرة» لكن عبارته تلك تبعها شرح لا يقل أهمية. فالرجل فى الأصل كان يجيب عن سؤال حول ما إذا كان موقفه المتحفظ إزاء أداء المجلس العسكرى سيتغير لو أن القيادة فى مصر بعد الانتخابات ستكون «لذوى اللحى والجلباب الإسلامى». فرد الرجل بالنفى، واستخدم تعبير «سنكون راضين» هذا، مؤكدا أن حزب النهضة الإسلامى «يقول الكلام الصح». ومن ثم «سنحكم على الإسلاميين بما يقولون ويفعلون لا ما يطلق عليهم». وعرض تيلور معايير قبول الإسلاميين فذكر الوصول للحكم عبر انتخابات حرة وما يقوله الإسلاميون ويفعلونه. لكن يبدو أن الصياغات التى استخدمها تيلور ذهبت لأبعد مما كان ينبغى، والمعايير التى حددها لم تكن كافية، فقامت رئيسته المباشرة كلينتون بعد أيام ثلاثة بإعلان القائمة الكاملة للمعايير، فهى بعد أن أكدت ضرورة «نبذ العنف» قالت إن «أحدا لا يريد أن يرى إيرانا أخرى، ولا أن يرى أحزابا ذات أجنحة عسكرية أو ذات سياسات خارجية متشددة».

أين الجديد فى هذا إذن؟ فاللحى والجلباب لم تكن أبدا هى المعيار. فقد تحالفت أمريكا مع ضياء الحق الذى تبنى تطبيق الشريعة فى باكستان، وتحالفت مع بن لادن والمجاهدين فى أفغانستان، بل وكانت إحدى دولتين فقط اعترفتا بطالبان حين تولت الحكم، القضية باختصار هى نوع السياسات التى سيتبعها الإسلاميون، ومن المهم ألا ننسى فى النهاية أن ذلك هو موقف إدارة أوباما، لا موقف الكونجرس الذى هدد صراحة بقطع المعونات عن مصر إذا ما وصل الإسلاميون للسلطة.

لكن إذا أمعنا النظر فيما جاء فى تصريحات تيلور سنجد أن هناك جديدا فى الموقف الأمريكى من الليبراليين فى مصر، فأمريكا لم تنكر يوما أنها تفضل وصول الليبراليين للحكم فى مصر على غيرهم.. ومن هنا، كان لافتا للانتباه أن وليام تيلور بعد أن انتقد المبادئ الأساسية للدستور ومعايير اختيار الهيئة التأسيسية واعتبرهما «محاولة للسيطرة على من سيكتب الدستور»، شرح لمن سألته عن الإخوان المسلمين الخريطة السياسية فى مصر قائلا «إن هناك من صار يُطلق عليهم (الديمقراطيون غير الليبراليين)»، فهم «المستعدون للتحالف مع الجيش» لئلا يصل الإسلاميون للحكم. وهو ما وصفه الرجل بأنه «يشوه العملية الديمقراطية» ويؤدى فى النهاية للعودة إلى الحكم السلطوى.

باختصار، قرأنا الموقف الأمريكى على طريقة «ولا تقربوا الصلاة»، فتحدثنا عن تغير لم يحدث ولم نر التغير الذى حدث!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق