اخر الاخبار

28‏/05‏/2011

تبرعوا لحرية التعبير

بقلم    مفيد فوزى     ٢٨/ ٥/ ٢٠١١

من المؤكد أن حرية الرأى تمر بضائقة «فكرية»، ومن المؤكد- فى حالة تيبس- الديمقراطية، سيتجه الأمر إلى الرأى الواحد الذى يكبلنا ويقيدنا ويعوق كل مقومات النهوض ببلد بعد كبوات وعثرات وخسائر، وأخطر ما يكسر ظهر هذا البلد هو هذه الانقسامات التى نطلق عليها كلمة «أطياف». وليت لكل طيف احترامه حتى لو اختلفنا معه، لكن التخوين هو الطافى فوق السطح. وللإحاطة- قبل أن أشرح وجهة نظرى- كنت طوال عمرى مصرياً فقط. ولم يكن لى أى انتماءات حزبية لا فى الاتحاد الاشتراكى ولا فى التنظيم الطليعى، ولا فى حزب الوسط، ولا فى الحزب الوطنى. لم تكن لى بطاقة أو مقعد، والمقعد الوحيد الذى كان لى فى المجلس الأعلى للصحافة ومازلت حتى إشعار آخر، وأنا هنا لا أبرئ نفسى ولا أتنصل من ارتباط ما لكنى لم أشترك فى أى انتخابات باستثناء انتخابات نقابة الصحفيين وهو اهتمام مهنى بحت.

وقد تصورت أن المشهد بعد ثورة يناير ٢٠١١ سيكون مبهجاً منصفاً ورافعا راية الديمقراطية. لكنى لاحظت إفلاساً فى الديمقراطية وإفلاساً فى الإنصاف لشرفاء خدموا هذا الوطن وتفانوا فى العطاء، حتى لو كانوا من الحزب الوطنى- فالتعميم آفة وعدم تحضر، واحترام الرأى ضرورة، وصحيح كان هناك فاسدون فى الحزب الوطنى، وعند أجهزة الرقابة والنيابة العامة تقارير تفصيلية بمستندات، لكن كانت هناك عقول مصرية لا يجب الإطاحة بها لمجرد اسم الحزب الوطنى. وقد كنت أتصور أن شباب الثورة ومعظمهم مثقفون لن يتوقفوا عند اسماء من الحزب الوطنى، ويطالبوا فى اجتماع الحوار الوطنى بطردهم من القاعة.. هذا فقر فى الإنصاف الوطنى فالحوار الوطنى وما جرى فيه ليس «حواراً» و«لا وطنيا». فالأمل فى الحوار..

وقد عشت أكثر من أربعين عاماً أحمل لقب محاور- وطرحت فى المجتمع مفردة الحوار، وهو نقاش متحضر بين طرفين قد يستنبط رأيا ثالثاً أنضج. ولكن هذا «العراك الوطنى»، افتقر إلى عدالة فى الرؤية و«طرد» مصريين من قاعة خصصت لهذا الهدف الكبير.

وقد أشفقت على الكبير عبدالعزيز حجازى من نداءاته المتكررة بضرورة احترام كل الأطياف، لكن صوته ضاع فى المدى، وحين اكتشفت أن «غلبة» الرأى الواحد سوف تسود، وأفلس الحوار من المعقولية، آثرت الخروج وتوقفت عند رأى أحد شباب الثورة، الذى أعلن أنه ينسحب من هذه القاعة التى لا تعبر عن الحوار الوطنى، مؤكداً أن مكانه فى ميدان التحرير، تمنيت أن أقول له إن ميدان التحرير كان رحم ثورة كبيرة دكت الفساد وأسقطت نظاماً، لكن الحوار الهادئ العقلانى مكانه القاعات والاتفاق أو الاختلاف أو حتى الاحتجاج بأصول متبعة فى البلاد المتحضرة.

والذين- بالمناسبة- ذهبوا إلى قاعة المؤتمرات، لم يذهبوا من أنفسهم، إنما وجهت إليهم الدعوات كضيوف ويتعرضون للطرد؟! أى ديمقراطية هذه؟ ديمقراطية الصوت العالى؟ ديمقراطية التهديد والوعيد؟ ديمقراطية التشكيك؟ ديمقراطية الانسحاب؟ صنّفوا لى هذه الديمقراطية. ولماذا لا توجه الدعوة إلى بشر معين «مستورد»، مادام أن شعب مصر أصبح بائداً والتصنيف فيه على قدم وساق والشباب رافض لحكمة الكبار ولا ربان للسفينة.

هل أطالب بالتبرع لحرية التعبير؟. إن حرية التعبير مكفولة للبعض دون بقية فئات المجتمع ذى الخمسة والثمانين مليون نسمة!

وإذا كان شباب الثورة رافضين الحكمة ورافضين الزمن «البائد»، فليطردوا آباءهم وأمهاتهم لأنهم عاشوا وتربوا فى زمن مبارك وأنجبوهم فى «العهد الماضى». لا أتصور أنه لكى أتواصل مع شباب الثورة- ككاتب- لى تاريخ متواضع فى العطاء المهنى- أن أحشر فى كل عبارة أرددها «٢٥ يناير». هذا نفاق رخيص لا يليق بعمرى ثم هذه الثورة التى زلزلت نظاماً وأسقطته أكبر من أن «تخطفها» أطياف معروفة جيداً للشباب الثائر. ومفهوم جيداً من الذى أفسد حوار حجازى و«ولعها».

نحن شعوب تحتاج لقبضة قوية لا لوداعة شرف أو طيبة حجازى أو مجاملة الجمل أو بساطة شفيق. والدليل أننى عندما دعيت إلى ندوة اقتصادية نظمها المجلس العسكرى فى فندق تابع للقوات المسلحة، دار الحوار بسلاسة، ولم يستطع أحد إفساد المناقشة والتمعن فى أرقام الخسائر الاقتصادية وكيف ننهض بالبلد. ومن المنطقى أن يسود الهدوء حواراً يجرى فى حضرة عسكريين، يحكمه نظام وأسلوب متحضر حتى عندما قامت إحدى شابات الثورة لكى تقرأ مطالب ٢٥٠ شاباً من ورقة ضمنوها مطالبهم- سمح لها بارتياح كامل دون اعتراض.

هنا يكمن معنى «فن الإدارة» الذى ولد أحضان القوات المسلحة. وهنا رأيت ديمقراطية فى النقاش لم ألمسها فى حوار حجازى، بل رأيت «تصلباً» فى الرأى و«رفضا» للكبار، وكأن الثورة أسقطت نظاماً وبالمرة أسقطت الاحترام وتوقير السلطة الأبوية.

 بلاش كلمة السلطة، من حساسية استخدامها، ولتكن الرعاية الأبوية، «رأيت وزير المالية يحاول أن يثنى أحد شباب الثورة عن انسحابه من القاعة، وباءت محاولاته بالفشل» ومرة أخرى أقول إن الانسحاب ليس من قيم الديمقراطية. قف يا رجل وجادلنى بحضارة. إن أحكام التعميم على كل الناس بفساد الذمم هى عورة فى وجه ثورة، فأين القانون؟

اتركوا القانون يأخذ مجراه وابنوا بلداً يتهاوى أمام العيون. احرموا أعداء هذه الثورة من ملامح نكسة تهددها. لا تتصلبوا فى آرائكم حتى لا نقول هذه ديكتاتورية ألعن من ديكتاتوريات عانى منها المصريون. لا تصدقوا الذين «يتنططون» فوق أكتافكم ويتنصلون ببجاحة من ماضيهم. كونوا ائتلافاً واعياً لثورة شعب وليس «إتلافا» لها.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق