اخر الاخبار

14‏/11‏/2011

وقفة مع المجلس العسكرى حمدي قنديل

كنا فى بداية شهر أكتوبر من العام الماضى، قبل آخر انتخابات برلمانية مزورة ينظمها عهد مبارك.. ذهبت مع الدكتور عبدالجليل مصطفى والدكتور حسن نافعة ننوب عن الجمعية الوطنية للتغيير فى لقاء مع الإخوان المسلمين فى دارهم بالمنيل، بعد أن شذوا عن الإجماع الذى قررناه فى الجمعية وأعلنوا مشاركتهم فى الانتخابات.. من جانب الإخوان، كان هناك المرشد العام الدكتور محمد بديع ومعه نحو ستة من أقطاب مجلس شورى الجماعة.. كانت المهمة شبه مستحيلة، أن يعود الإخوان عن قرارهم، ويقاطعوا معنا الانتخابات.

لمّا جاء دورى فى الكلام أتذكر أننى قلت: يا فضيلة المرشد.. أنا قادم إليكم الآن من مجلس الدولة، حيث كنت أحضر مع السفير إبراهيم يسرى فى الدعوى التى رفعها لإلغاء الحواجز الأمنية حول السفارتين الأمريكية والإسرائيلية.. مجلس الدولة بالذات، والقضاء على وجه العموم، أصبح الوسيلة الناجزة لتحقيق مطالب الجماعة الوطنية، فى حين أننا لم نحقق مكسباً يذكر عن طريق مجلس الشعب الذى سيظل يسيطر عليه الحزب الوطنى.. مجلس الدولة هو الذى أصدر الحكم فى تصدير الغاز إلى إسرائيل، والحكم بحد أدنى للأجور قدره ١٢٠٠ جنيه، والحكم ببطلان عقد مدينتى، وهناك أحكام محكمة النقض ببطلان عضوية أغلب نواب الحزب الوطنى فى مجلسى الشعب والشورى، فضلاً عن المحكمة الدستورية العليا التى قضت بحل مجلس الشعب ثلاث مرات فى غضون عشرين سنة.

لم يكن الكلام مقنعاً كثيراً للدكتور بديع.. فتح درج مكتبه وأعطانى مذكرة بتفاصيل ما أنجزه ٨٨ عضواً من الإخوان المسلمين فى مجلس الشعب.. للإنصاف، فإن أحداً لا ينكر دورهم المشهود وصوتهم المسموع تحت القبة، وإن كان الناتج الملموس لهذا كله محدوداً بسبب الأغلبية الأوتوماتيكية لنواب الحزب الحاكم.. الحاصل أن الإخوان أصروا يومها على المشاركة فى الانتخابات، وظللنا نحن على موقفنا.. مع ذلك، فلاأزال حتى يومنا هذا أتذكر الود الذى ظل يغلف علاقاتنا مهما كان الاختلاف، وأحزن لما آل إليه الوضع الآن.

كانت تلك الجلسة فى دار الإخوان هى أول ما ومض فى ذاكرتى عندما سمعت حكم محكمة القضاء الإدارى فى المنصورة مساء الخميس الماضى.. هذا الحكم الذى قضى بمنع أعضاء الحزب الوطنى من الترشح لعضوية مجلسى الشعب والشورى حكم تاريخى بحق، وإن لم نكن ندرى تماما إلى أى مدى ستكون توابعه.. الاحتمالات بلا حد، واللجنة العليا للانتخابات ـ وهى المصدر الرسمى الرئيسى للمعلومات ـ غائبة تماماً.. إما أن أعضاءها أغلقوا تليفوناتهم فى وجه الصحفيين، وإما أنهم ممتنعون عن التعليق انتظاراً لوصول نص الحكم.. أظن أن هذا متوقع، فلابد أنهم فى ارتباك كامل، ولا شك فى أنهم يتشاورون مع جهات عليا لم تأخذ قرارها بعد.

الأمر الوحيد المحقق هو ضرورة صدور قرار عاجل بإيقاف إصدار القوائم النهائية للمرشحين، التى كان مقرراً صدورها بعد إعلان الحكم بساعات، ثم تنقية هذه القوائم من أرامل مبارك، لكن السؤال المعلق بلا إجابة حتى الآن هو: ما إذا كان الحكم سيسرى على محافظة الدقهلية وحدها أم أنه سيطال محافظات أخرى، وهل يطالها تلقائياً أم أنه لابد أن تقدم طعون بذاتها إلى محاكمها؟!.. يزيد الأمور تعقيداً ذلك الحكم الذى كان قد صدر من محكمة القضاء الإدارى فى الإسكندرية، المناقض تماماً لحكم المنصورة.. كان أحدهم قد طعن فى ترشيح طارق طلعت مصطفى لكونه عضواً فى الحزب الوطنى المنحل، لكن المحكمة رفضت الطعن.. يبدو أن المحكمة الإدارية العليا فى حاجة للانعقاد ودراسة الأمر، كى لا يحدث تناقض فى الأحكام داخل مجلس الدولة، ومن المؤكد أن هذا سيستغرق وقتاً ما.

سوف تكون هناك حاجة لوقت آخر، ربما يمتد لأسابيع، حتى تتم تنقية القوائم، إذ من الضرورى تقديم وثائق قانونية تثبت انتماء المرشحين المعنيين للحزب الوطنى المنحل، وهو أمر قد يكون يسيراً بالنسبة لأعضاء الحزب البارزين وأعضائه فى مجلسى الشعب والشورى، لكنه قد يتعذر بالنسبة للأعضاء العاديين، خاصة أن أغلب مقار الحزب تعرضت بما فيها من أوراق للحريق أيام الثورة..

فى ضوء هذه الاحتمالات سوف تتكهرب الأجواء السياسية ويزداد التوتر، وسوف تتصاعد التهديدات من جانب كل الأطراف، وتنشب خلافات قد تؤدى إلى احتكاكات دموية، وسينعكس هذا كله على العلاقات بين القوى السياسية، والثورية منها خاصة، وبين السلطة التى تبدو وكأنها انسحبت من على خشبة المسرح وآثرت أن تدير حركة المشهد من الكواليس.. علاقة الثورة بالسلطة هى ما ذكرنى فور سماعى حكم محكمة القضاء الإدارى فى المنصورة بالاجتماع الذى حضرته فى دار الإخوان المسلمين فى العام الماضى، وما قلته عندئذ من أن القضاء هو السند الوحيد للحركة الوطنية فى مواجهة نظام الفساد والاستبداد.

أمر غريب حقاً أن تهب الثورة فى يناير من هذا العام، وأن تمضى شهور تسعة على قيامها بينما نحن فى الوضع نفسه.. الطريق هو الطريق، والسند هو السند.. القضاء هو الذى أصدر حكمه بحل الحزب الوطنى وتصفية أمواله ورد ممتلكاته للدولة، وهو الذى أصدر حكمه بحل المجالس المحلية، وهو الذى أصدر حكمه بتمكين المصريين المقيمين فى الخارج من التصويت، وهو الذى أصدر الحكم الأخير يوم الخميس الماضى بمنع الفلول من الترشح فى انتخابات البرلمان.

صحيح أن الحكومة لم تطعن فى الأحكام، أى أن المجلس العسكرى لم يأمر الحكومة بالطعن فى الأحكام، ولكنه أيضاً لم يبادر باتخاذ القرار ويعفينا من ضياع الوقت والجهد.. امتناع المجلس عن اتخاذ المبادرة لتحقيق مطالب الثورة أمر يثير الدهشة.. موقف المجلس الباهت المائع الغامض بين الثوار وبين نظام مبارك أصبح فى حاجة إلى إيضاح وحسم.. أظن أن الأوان قد آن لصياغة علاقة قائمة على أسس جديدة بين المجلس العسكرى والثورة.. تلبية مطالب الشعب هى الشرعية الوحيدة للحكام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق