اخر الاخبار

04‏/11‏/2011

الموقف «المشبوه» حقاً بقلم محمد سلماوى

ما هذا الذى نشهده الآن؟ وإلى أين تأخذنا القوى السياسية بألاعيبها البالية؟ لقد كنا نتصور أن هذا هو الوقت الذى تتبارى فيه الأحزاب والقوى السياسية فى تقديم البرامج والخطط والسياسات التى ستقيم الدولة الجديدة التى نتطلع إليها، لكنا نجد البعض منهم يستعد للمستقبل ليس بخطط البناء وإنما بمعاول الهدم.

أقول هذا بمناسبة ما أثير حول وثيقة المبادئ الأساسية للدستور وأسس اختيار الجمعية التأسيسية التى ستضعه، وهذه الوثيقة هى فى الواقع أول لبنة فى البناء الديمقراطى الذى لم نقترب من عملية إقامته بعد، فكيف تعاملت معها القوى السياسية التى تسعى للوصول إلى السلطة؟

أول ما فعلته هذه القوى هو أنها لجأت للأساليب السياسية القديمة والمستهلكة بأن «شخصنت» القضية فسمت الوثيقة «وثيقة الدكتور على السلمى» وشنت هجوماً ضارياً على الرجل، وصل إلى حد المطالبة بإقالته من منصبه، كنائب لرئيس الوزراء، بينما يعرف الجميع أنه لم يكتب هذه الوثيقة فى بيته ولا أثناء إجرائه العملية الجراحية فى الخارج، وإنما عقدت سلسلة من جلسات الاستماع لوضع هذه الوثيقة منذ شهر أغسطس الماضى، حضرها ممثلو الشعب من النقابات المنتخبة والاتحادات والجمعيات الأهلية وبقية منظمات المجتمع المدنى مع ممثلين للأحزاب والقوى السياسية، وبسبب اتساع دائرة المشاركة فى هذه الجلسات المتتالية والتى عقدت بمبنى مجلس الشعب، تراوحت الآراء وتعددت المقترحات، فرئى عقد اجتماع أخير موسع وهو الذى تم يوم الثلاثاء الماضى، بدار الأوبرا للاتفاق على الصيغة النهائية للوثيقة، بإبقاء ما يتفق عليه وإسقاط ما يعترض عليه، ولقد كانت للمادة الخاصة بصلاحيات الجيش النصيب الأكبر من الاعتراضات فرئى تعديلها وفق آراء الحضور وتم بالفعل حذف ما اعترض عليه فيها، كما علمت أن الاقتراحات الأخرى التى تقدم بها الحضور تم تضمينها هى الأخرى فى الوثيقة.

لكن القوى السياسية الطامعة فى مقاعد البرلمان وفى المنصب الرئاسى والتى استعاضت بمعاول الهدم عن برامج البناء رأت أن تهاجم الوثيقة على ما سبق لمن حضروا اجتماع يوم الثلاثاء الاعتراض عليه، بل وصل الحد بأحد المرشحين المحتملين للرئاسة، أن وصف هذه الوثيقة فى زفة الانتقادات التى لم يشأ أن يغيب عنها بأنها وثيقة «مشبوهة»(!!) كما وصف مرشح آخر من ذوى الاتجاهات الدينية الوثيقة بأنها تمثل «وصايا على الشعب» لأنها تسحب من مجلس الشعب القادم سلطة اختيار الهيئة التأسيسية التى ستضع الدستور، وبصرف النظر عن أن تلك السلطة غير قانونية لأسباب لن نخوض فيها الآن، حيث لم نسمع فى التاريخ عن أن من يملكون الأغلبية البرلمانية المتغيرة بطبيعتها من انتخابات إلى أخرى هم الذين يضعون الوثيقة الكبرى غير المتغيرة بطبيعتها مهما توالت الانتخابات، أقول إنه رغم عدم جواز منح هذه السلطة للبرلمان فإن الوثيقة المذكورة لم تلغ ذلك، فهى تترك للبرلمان اختيار أعضاء الهيئة التأسيسية من بين من انتخبهم الشعب فى مختلف تنظيماته النقابية والأهلية، فما الضرر فى هذا؟

لقد هاجمت الأحزاب السياسية التى تستغل اسم الإسلام فى عملها السياسى هذه الوثيقة، متصورة أنها ستسيطر على البرلمان القادم، ومن ثم تنفرد بوضع الدستور الذى سيحكمنا فى المستقبل، فقاطعت اجتماع الثلاثاء الموسع الذى عقد بدار الأوبرا، رافضة المناقشة مع بقية القوى الحاضرة للاجتماع، فهل هذه هى السياسة التى ستتبعها حال دخولها البرلمان؟

على أن ما يثير الأسى هو أن تنساق بعض القوى المدنية وبعض من يتطلعون إلى المناصب الرئاسية وراء هذا الاتجاه، متصورين أنه يحقق لهم شعبية يفتقدونها وبدلاً من أن يناقشوا الوثيقة ويدعموا من اعترضوا فى الاجتماع الموسع على المادة الخاصة بالقوات المسلحة، تصيدوا هذا الاعتراض ليحاولوا هدم الوثيقة ككل متطابقين فى ذلك مع الاتجاهات الدينية التى تريد أن تنفرد بوضع دستور الدولة الدينية وحدها.

لقد سئم الناس تلك الانتهازية السياسية، وسئموا عملية الهدم المستمر التى نشهدها الآن لكل شىء، أما موقف القوى السياسية غير المفهوم فهو «المشبوه» حقاً، وليس الوثيقة التى هى أول خطوة فى عملية بناء المستقبل على أسس ديمقراطية سليمة بعد أن تأخرت أكثر مما يجب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق