اخر الاخبار

11‏/11‏/2011

قبل أن يشيخ الربيع بقلم محمد سلماوى

حين أطلق على الثورة العربية تعبير «الربيع العربى» كان المقصود تشبيه صحوة الشعوب العربية من تونس إلى مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا وغيرها، بصحوة الطبيعة بعد الشتاء الطويل الذى يتجمد فيه النبات وتتيبس الأرض، ثم يأتى الربيع فتعود البذرة تتحرك فى باطن الأرض ليخرج منها النبات أخضر يانعاً، وتنبت الزهور على كل شكل ولون، إيذاناً بنضوج الثمار فى فصل الصيف، حيث الشمس الساطعة والمياه الدافقة والحصاد الوفير.أى أن الربيع قيمته فى أنه نذير الحياة التى ستأتى، وما الزهرة على فرع الشجرة إلا إعلان بقدوم الثمرة، أما إذا ظل الربيع أبدياً، فلا جمال فيه ولا أمل يحمله لنا بالحصاد والثمار، لذا ففصل الربيع ليس إلا فصلاً من فصول السنة لا يدوم لأكثر من ثلاثة أشهر، لكن يبدو أن اضطرابات الأرصاد التى أصبحت تسود العالم من كثرة التجارب النووية والملوثات الهوائية وثقب طبقة الأوزون، قد أثرت على ربيع الثورة العربية، كما أثرت على الطقس فى العالم، فامتد الربيع لأول مرة ليصبح عشرة أشهر، واقترب من أن يدخل موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية، باعتباره أول فصل يمتد لمدة سنة كاملة.

لقد أعلن المجلس العسكرى الذى خوله الرئيس المتنحى سلطاته الرئاسية فى فبراير الماضى، أنه سيحفظ البلاد بعد أن حمى ثورتها، وأنه سيسلم الحكم خلال ستة أشهر لسلطة جديدة مدنية، أى أنه سيمكث فى الحكم خلال فصل الربيع فيحمى الزهور الوليدة من الخماسين والتقلبات الجوية، وإلى أن يؤتى الصيف ثماره المنتظرة، فعندئذ تكون قد مرت الشهور الستة، لكن الناس فى بلادى تتساءل الآن: لماذا ظل المجلس العسكرى يحكم البلاد رغم انقضاء فترة الأشهر الستة التى حددها؟ ولماذا لم تتم الانتخابات الرئاسية وفق ما نصت عليه نتيجة الاستفتاء الشعبى الذى جرى فى مارس الماضى؟ ولماذا لم يتم وضع دستور جديد للبلاد كان يفترض أن يدعو إليه الرئيس الجديد؟

لكن الحقيقة التى غابت عن الناس هى أن فصل الربيع لم ينقض بعد، ولك أن تفتح أى جريدة أجنبية أو قناة فضائية فتجدهم مازالوا يتحدثون عن «الربيع العربى»، وفى الشهر المقبل سيقوم الاتحاد الأوروبى بمنح «جائزة زاخاروف لحرية الفكر»، إلى ممثلى ذلك الربيع وهم النشطاء: أسماء محفوظ من مصر، ومحمد البوعزيزى من تونس، وأحمد الزبير من تونس، وعلى فرزات من سوريا، رغم أن الشهر المقبل هو شهر ديسمبر الذى تنزل فيه الثلوج فى القارة الأوروبية، بعد أن يكون الربيع قد ولى وجاء من بعده الصيف ثم الخريف.

لكن ربيعنا فى الوطن العربى ــ على ما يبدو ــ من نوع خاص فهو «شباب على طول» مثل حب أحمد رامى لأم كلثوم، وها هو العالم من حولنا يُخرج معاطفه الثقيلة من الخزانة استعداداً لبرد الشتاء، ونحن مازال الجو عندنا صحواً والشمس ساطعة والزهور يانعة والشعب والجيش يداً واحدة، رغم المحاكمات العسكرية وفرض الرقابة على الإعلام ومحاولة تضمين الدستور ما يضمن حصانة القوات المسلحة ضد أى مساءلة دستورية.

إن الربيع العربى أصبح مثل دور العرض السينمائى الشعبية فهو يعتمد على العرض المستمر، فإذا انتهى فيلم «وحش الشاشة» بدأ على الفور فيلم «خذنى بعارى» وإذا انتهى هذا بدأ فيلم «رامبو قاهر الجبابرة»، وإذا انتهت الأفلام الثلاثة تطوع البعض بعرض فيلم جديد اسمه «وثيقة الدكتور على السلمى»، حتى لا يترك الناس دار العرض، رغم احتياجهم الشديد لأن ينصرفوا لمصالحهم المتعطلة.

إننى أنتهز الفرصة كى أطلق من هنا دعوى لأن نقوم جميعاً بالاحتفال بربيعنا العربى، الذى لا ينضب والذى يبدو أنه انتصر على كل الفصول فاحتلها جميعاً وصار عمره حتى الآن عشرة أشهر، وعما قريب يتم سنة بالتمام والكمال لأول مرة فى التاريخ.. أما حصاد الصيف وثماره التى طالما وعدنا بها فسننساها بعد قليل حين نكتشف أن ربيعنا فى غمرة احتفالنا واحتفال العالم به، قد شاخ وتساقطت ثماره قبل أن نجنيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق