اخر الاخبار

28‏/11‏/2011

انتخابات برلمانية ملغومة بقلم د.حسن نافعة

تبدأ اليوم أول انتخابات برلمانية تجرى بعد ثورة يناير فى ظل أزمة سياسية طاحنة لا أحد يعرف كيف ستنتهى. فالحكومة التى كان يفترض أن تشرف على هذه الانتخابات سقطت، والمحاولات الجارية لتشكيل حكومة جديدة تنتشل الوطن من محنته الراهنة تبدو متعثرة، وميادين التحرير تفور بالغضب والرغبة فى الثأر لدماء شهداء سقطوا بالعشرات على أيدى قوات أمن فى حكومة يفترض أنها تمثل الثورة، وبالإفراج عن آلاف من النشطاء يحاكمون أمام محاكم عسكرية، فى وقت يحاكم فيه رأس النظام الخائن أمام محاكم مدنية ويقيم فى جناح رئاسى فى أفخم مستشفيات مصر.

يعتقد البعض أن الرافضين لانتخابات اليوم، وأنا واحد منهم، يخشون فوز التيار الإسلامى بأغلبية المقاعد فيها، وليس ذلك صحيحا، على الأقل فيما يتعلق بى، لأن رفضى لها يعود إلى الخشية من أن تكون خطوة على طريق إعادة إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة. فهى انتخابات تجرى وفق نفس بنية نظام قديم صمم لإفراز سلطة تشريعية ضعيفة، تتضمن مجلس شورى لا لزوم له ومجلس شعب نصف مقاعده ينتمون اسما للعمال والفلاحين لكنهم لا يمثلون مصالحهم الحقيقية، وسيخوضها فلول حزب منحل بحكم قضائى سمح لهم بإعادة تشكيل ما يقرب من عشرة أحزاب بديلة، وبالترشح أيضا على المقاعد الفردية.. إلخ.

كان المنطق السليم يقضى بأن تكون انتخابات اليوم مخصصة لاختيار هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد. ولو كنا قد فعلنا ذلك لما جرؤ أحد على الادعاء بحدوث «التفاف على إرادة الشعب»، لأنه سيختار أعضاء اللجنة مباشرة وليس بطريق غير مباشر، ولأجريت انتخابات تشريعية ورئاسية لاحقة وفق أسس واضحة وثابتة غير قابلة للإلغاء أو التعديل أو العبث، بل لأمكن تقصير المرحلة الانتقالية إلى النصف.

أدرك أن الانتخابات حدث عظيم فى حد ذاته وحق للمواطنين ينبغى تشجيعهم على ممارسته، بل واجب ينبغى حثهم على أدائه، خصوصا أنه الوسيلة الأساسية لتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة، ومن ثم لا يتعين إفساده بأى صورة من الصور.

غير أن الأمانة التى سأحاسب عليها أمام الله تقتضى أن أقول بكل وضوح وصراحة، حتى ولو أغضب رأيى الكثيرين، أن هذه الانتخابات بالذات تبدو لى أداة لسرقة الثورة، وليس حمايتها، وتدار وفق نهج يستهدف إعادة إنتاج النظام القديم، وليس التأسيس لنظام ديمقراطى حقيقى.

ورغم انحيازى الكامل لفكرة «الدستور أولا»، إلا أن تشككى فى انتخابات اليوم يعود إلى أسباب أخرى «عملية» لا علاقة لها بهذا الجدل. فلو كانت قد أجريت بعد تطبيق قانون للعزل السياسى حرم فلول الحزب الحاكم القديم من خوضها قانونا، ودون مجلس شورى، ودون النسبة المخصصة شكلا للعمال والفلاحين، لكنت أول المتحمسين لها، بصرف النظر عما إذا كانت قد أجريت قبل كتابة دستور جديد أو بعده، وحتى لو أجريت فى ظل أوضاع أمنية مضطربة وغير مستقرة.

قناعتى بأنها ستفرز برلمانا لا يعبر عن روح ثورة يناير، التى أرى أنها فرصة مصر الحقيقية والوحيدة لتعويض ما فاتها، هو ما يدفعنى للمطالبة بإلغاء هذه الانتخابات وتكليف حكومة الإنقاذ الوطنى القادمة بإعداد مشروع لإعلان دستورى جديد لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية يتضمن:

 ١- إجراء انتخابات لاختيار هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد خلال شهر واحد من الآن، أى فى موعد أقصاه ١ يناير ٢٠١٢ على أن تفرغ اللجنة من كتابة الدستور الجديد بعد شهرين من هذا التاريخ، أى فى موعد أقصاه نهاية فبراير.

 ٢- إجراء انتخابات برلمانية بعد شهر واحد من الاستفتاء على الدستور الجديد، أى فى موعد أقصاه منتصف أبريل.

 ٣- إجراء انتخابات رئاسية بعد شهرين من إتمام الانتخابات التشريعية أى فى موعد أقصاه منتصف يوليو، على أن تسلم مقاليد السلطة إلى الرئيس ومجلس الشعب الجديدين فى احتفال يعقد لهذا الغرض يوم ٢٣ يوليو ٢٠١٢، لتبدأ مصر عهدا جديدا وتأسيس الجمهورية الثانية بعد ٦٠ سنة من ثورة يوليو!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق