اخر الاخبار

17‏/11‏/2011

الأسئلة الجيدة تساعد على الإجابات الصحيحة بقلم د. أيمن الجندى

أتابع بشغف مقالات الأديبة الشاعرة فاطمة ناعوت، وفى مقال الإثنين ١٤ نوفمبر ٢٠١١ طرحت هذا السؤال: «ترى من سيدخل الجنة؟ مسلم مزواج، تزوج ٤٩ عذراءَ، واحدةً إثر واحدة، يمكثُ مع كل واحدة أسبوعاً ثم يعطيها صداقها ويطلقها، ليتزوج غيرها فوراً. أم مسيحىٌّ، اسمه وليم مورتون، ابتكر مادة التخدير التى جنبت الإنسانية آلاما لا قبل لها بها، وأفادت ملايين البشر؟».

هكذا كان السؤال الذى وجهته إلى الشيخ السلفى، الذى كانت إجابته كالتالى: «الأول فى الجنة والثانى فى جهنم، فالأولُ لم يخالف كتابَ الله وسنّته، والثانى كافر».

حقيقةً أشكر الأستاذة فاطمة على سؤالها، لأنه شجعنى على التأصيل الفكرى لعدة مسائل شديدة الأهمية:

التأصيل الفكرى الأول: فن إلقاء السؤال، حيث إن السؤال الجيد يساعد على الإجابة الصحيحة، أما السؤال الخطأ فيؤدى بالضرورة إلى إجابة خاطئة، فالله وحده هو من يدخل الناس الجنة أو النار، وبالنسبة لنا - كمسلمين - فنحن نجزم بأن الأنبياء سيدخلون الجنة، لأن النص على ذلك فى القرآن واضح وصريح، أما من دونهم فنحن نأمل فى رحمة الله، حتى إن «الصدّيق»، رضوان الله عليه، وهو من هو فى الإسلام، يقول: «لا آمن مكر الله ولو كانت إحدى قدمىّ فى الجنة»، والشاهد هنا أنه يعلّم الأمة أن جنة الله غالية، وأننا يجب أن نعمل لها ولا نتواكل، إذا كان «الصدّيق» نفسه يخشى ألّا يدخلها.

التأصيل الفكرى الثانى: كل دين يزعم أن جزاء المؤمنين به هو الجنة، وجزاء غير المؤمنين به هو النار، هذا ليس مقصورا على الإسلام فحسب، بل كل دين، فالدين بطبيعته لا يكتمل الإيمان به إلا بالجزم بصحة المُعتَقد، ثم يفصل الله بين عباده يوم القيامة فيما هم فيه يختلفون، أما فى الدنيا فالصحبة الطيبة بيننا وحسن المعاملة.

التأصيل الفكرى الثالث: الشيخ السلفى أخطأ بشدة حين وصف فعل هذا الرجل المزواج بأنه «لم يخالف كتابَ الله وسنّته»، فمعروف أن الزواج وصفه القرآن بالميثاق الغليظ، وفى جرس لفظة «غليظ» وإيحائها ما يكفى، والنبى لعن الذوّاقين، أى الذى يتزوج لمجرد أن يذوق متعة امرأة، كما أن النية فى ديمومة الزواج شرط لصحته، والزواج بنية الطلاق فاسد.

أما عن اعتقادى - كمسلم - فيمن ينفع البشرية وهو على غير دينى، فإننى لا أشغل نفسى بمصيره، لأننى واثق من عدل الله، ولأننى لا أعرف السر الذى بينه وبين ربه، وهل اجتهد فى البحث عن الحقيقة أم لا؟ ولأننى مشغول بنفسى وبذنوبى الكثيرة، وهمى الحقيقى هل سأنجو بنفسى أم لا؟!.

رابعا: هناك كتابات كثيرة عن السلفية فى الآونة الأخيرة، لكنها تقتصر على الهجوم دون محاولة التأصيل الفكرى العميق لتجليات أفكارهم، فعلى سبيل المثال لا يمكن فصل خلافهم عن الأزهر (الأشاعرة) عن اعتقادهم بحجية حديث الآحاد، فيما يصر الأشاعرة على أنه دليل ظنى لا يفيد القطع فى العقائد، وهكذا. والشاهد هنا أنه دون التأصيل الفكرى العميق للسلفية سيظل فهمنا لها قاصرا وتصرفاتهم غير مفهومة.

وأخيراً، ملاحظة عابرة ليست لها أهمية كبيرة، وهى أن بداية خطف الطائرات فى العقود الأخيرة كانت مع اليسار المناضل فى سبيل تحرير فلسطين، وليس مع السلفية الجهادية! حين قامت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» عام ١٩٧٠ بخطف طائرات عدة للفت الأنظار إلى القضية الفلسطينية ومقايضة ركاب الطائرات المخطوفة بمعتقلين فلسطينيين.

ولا يبقى لى سوى أن أشكر الأستاذة فاطمة ناعوت على لغتها الأنيقة المنمقة، واهتمامها بقيم العدل والإنصاف، جعل الله ذلك كله فى ميزان حسناتها، ولها شكرى وتقديرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق