اخر الاخبار

31‏/10‏/2011

فى انتظار جودو بقلم حمدى رزق

قبل الثورة بسنة، صحت القاهرة على ملصقات حائطية بصورة مدير المخابرات عمر سليمان ترشحه رئيسا للبلاد، وضربنا جميعا من فوق لتحت أخماساً فى أسداس، من فعلها، بل من تجرأ على فعلها، ومن تجرأ على نشرها بطول البلاد وعرضها، ومن له مصلحة فى نشرها، وماهية علاقة عمر سليمان بالملصقات التى نشرت أثناء وجوده مع الرئيس (السابق) فى واشنطن، وعلام تدل، وإلام ترمى، ومنعت صحيفة «الدستور» من الطباعة فى تلك الليلة، وكانت الدستور تنفرد بالملصق والصورة والترشيح، وظل سر هذه الملصقات غامضا حتى اعترف الزملاء بما فعلوه فى الدستور (تحت رئاسة إبراهيم عيسى) بإسهامهم الحميد فى العملية (بعد الثورة) فى إطار مناهضتهم للتوريث.
بعد الثورة بسنة، صحت القاهرة على نفس المشهد، صحت على ملصقات بصورة المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى ترشحه رئيسا للبلاد، وتكفلت صحيفتنا (المصرى اليوم) بنشر صورة الملصق، وحددت الشخص (محمود عطية) الذى أقر بالملصق، وأنه وجماعته (مصر فوق الجميع) فى سبيله لتوزيع مليون ملصق بعنوان (المشير رئيسا)، فضلا عن افتكاسات من نوعية تلقيه تهديدات بالقتل، وطلب حمايته من النائب العام.

يذكرنى محمود عطية بمجدى الكردى مؤسس الائتلاف الشعبى لدعم ترشح جمال مبارك لـ«الرئاسة»، شخص غير معروف سياسيا أو حزبيا أو مجتمعيا، يخرج على الجميع علانية بما يخشون البوح به، ويصر عليه وكأنه مدفوع له، أو مدفوع إليه، نحسن الظن بالجميع، ولكن - كما يقولون - سوء الظن من حسن الفطن.

تنكر الجميع علانية للكردى، كما يتنكر لعطية الجميع الآن، ولم ينكر الكردى حماسه لترشيح جمال مبارك، كما لم ينكر عطية حماسه لترشيح المشير، لكن لا الكردى ولا عطية دلنا على مصدر الحملة، ولا تمويلاتها، مليون ملصق.. كم تتكلف، ولا سر الصمت المريب على الكردى (سابقا) ولا عطية (لاحقا)، وغيرها كثير من أسئلة تنعق فى الفضاء بلا إجابات تسد رمق الحقيقة، ربما قال لنا: صحيت الصبح حلمت بالمشير يؤدى القسم.

اللعبة مجربة، وكما يقولون « اسأل مجرب»، لكن من يجرب فينا صورة المشير رئيسا، من يطلق فى فضاء عقولنا بالونات اختبار رئاسية، يقيناً من يختبرنا هو من يختبر المشير نفسه، يختبرنا: هل تقبلون بالمشير رئيسا ولو على سبيل الملصقات؟ يختبر المشير نفسه، رغم أن المشير قطع قول كل خطيب: «المجلس ليس له مرشح رئاسى».

إذا افترضنا حسن نوايا عطية، فهناك نية لدى البعض، ورغبة فى ترشيح المشير رئيسا، تدفعهم إليها دفعاً الفوضى الضاربة فى أطناب البلاد، الاختراق الخارجى للجبهة الداخلية تمويلا وتجسسا، الاقتصاد المنهار، الإفلاس المحدق، الاقتتال السياسى والحزبى والإعلامى، العجز الحكومى، شلل المرافق، تمرد الأطراف، اختراق الحدود، البلد عايزه ولد، مايلمها إلا عسكرى، تجربة عبدالناصر نموذج ومثال.

وإذا افترضنا حسن النوايا، فهناك عدم قناعة لدى البعض بأى من المرشحين المحتملين للرئاسة، والجميع فى انتظار جودو، هناك إحساس عارم أن الرئيس لم يظهر بعد، مثل فارس أحلام المراهقات، دوماً يرتدى بزة عسكرية ويركب حصانا ويحمل سيفا يضرب رأس الأفعى والرقاب الملتوية، ويخطف العروس، يدفع مهرها، حزم وشدة وضبط وربط، البلد فكت، عاوزة يد من حديد، لن أحدثكم عن نعومة أيدى الإخوة المحتملين.

وإذا كان سوء الظن غالبا، فإن فتنة الصورة قصد بها المشير، حطب جديد للنار المشتعلة من تحت أقدام الرجل، مدد لحملة الكراهية المستمرة ضد المجلس العسكرى ورئيسه القابض على الجمر، صورة تفتن الجميع، فتنة الصورة، صورة تذهب بتأكيدات المشير بعدم وجود مرشح عسكرى أدراج الرياح، تعطى سببا إضافيا وكافيا وملحا لمطلب تسليم السلطة فى أقرب فرصة.

وإذا كان سوء الظن حاضرا، فإن من الفلول من يزرع الفتن، وليس أفضل من فتنة ترشيح المشير رئيسا للبلاد، فتنة وقودها الثوار وحجارة ميدان التحرير، الإيقاع بين المجلس العسكرى وثوار التحرير له ألف طريقة منها تلك الطريقة المجربة، الشيطان هو من يفكر بتلك الطريقة الجهنمية لتفجير البلاد، وكما كان إبليس حاضرا يوم ماسبيرو للإيقاع بين الجيش والمسيحيين، ها هو يحضر حضورا مريبا فى صورة المشير معلقة على الحوائط، الفتنة نائمة.

وإذا كان سوء الظن حاضرا فهى عملية مرتبة ومبرمجة ومهندسة لجر البلاد إلى فوضى منظمة، كلما هدأت البلاد قليلا واستكانت، يتم إشعال الحريق، كلما اقتربنا من الانتخابات يتم إشعال حرائق هنا وهناك، كلما قطعنا شوطاً فى الاستقرار السياسى توطئة لتسليم البلاد وعودة الجيش إلى ثكناته يتم إشعال الموقف، هناك قط أسود يجول بين الطرقات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق