اخر الاخبار

01‏/10‏/2011

مخابرات وصحف ومصادراتبقلم صلاح عيسى

خلال ثلاثة أيام متفرقة من الأسبوع الماضى، أوقف طبع ثلاثة أعداد من ثلاث صحف، هى «صوت الأمة»، و«روزاليوسف» و«الفجر»، وصودرت النسخ التى كانت قد طبعت من بعضها، وجرى فرمها، وفى الحالات الثلاث أعيد طبع العدد، وجرى تداوله فى الأسواق، فى الموعد المحدد لصدوره، بعد حذف موضوعات كانت تتعلق بجهاز المخابرات العامة.. وهو ما جدد الهواجس والشكوك، حول المخاطر التى تحيق بحرية الصحافة والإعلام، بعد أن ساد الظن، خلال الشهور الثمانية الماضية بأن الثورة قد حررتهما تحريراً كاملاً غير منقوص، وأن الصحفيين والإعلاميين أصبحوا متحررين من كل القوانين والمسؤوليات فى ظل الشرعية الثورية التى طبطبت على كتف كل منهم، وقالت لهم - على طريقة فيلم «رد قلبى» - إنت من الأحرار يا صحفى!

والمؤكد أن الجهة التى أوقفت الطبع - وهى فى الغالب شرطة المطبوعات - وطلبت حذف الموضوعات قد وقعت فى خطأ قانونى، لأن ما فعلته يعتبر رقابة إدارية مسبقة على الصحف، يحظرها الدستور والقانون، وكان يتوجب عليها إذا رأت أن الصحف الثلاث قد ارتكبت جريمة نشر مما ينص عليه القانون، أن تبلغ النيابة العامة وتستصدر منها أمراً بمصادرة العدد بعد طباعته وتوزيعه، لأن جريمة النشر لا تقع إلا بطرح الصحف للبيع.. ثم تلجأ إلى المحكمة لعرض الأمر عليها، لتؤيد قرار المصادرة، أو تأمر بالإفراج عن الصحيفة وإعادة طرحها فى الأسواق.. أما إذا كان صاحب الجريدة قد وافق مسبقاً على وقف الطبع، وحذف الموضوعات التى أثارت المشكلة، فإنه بذلك يكون قد تنازل عن حقه فى مقاضاة هذه الجهة.

أما المؤكد ثانياً، فهو أن الصحف الثلاث قد وقعت بحسن نية فى خطأ قانونى، وخالفت المادة ٧٠ مكرر (ج) من قانون المخابرات التى تنص على أنه «يحظر نشر أو إذاعة أو إفشاء أى أخبار أو معلومات أو بيانات أو وثائق تتعلق بالمخابرات العامة، سواء كان ذلك فى صورة مذكرات أو مصنفات أدبية أو فنية أو على أى صورة، أو بأى وسيلة كانت إلا بعد الحصول مقدما على إذن كتابى من رئيس المخابرات العامة، ويسرى هذا الحظر على مؤلف أو واضع أو طابع أو موزع أو عارض المادة المنشورة أو المذاعة، وعلى المسؤول عن نشرها أو إذاعتها، ويعاقب كل من خالف هذا الحظر بالعقوبات المنصوص عليها فى المادتين ٨٠ «أ» و«ب» من قانون العقوبات، وهما تقضيان بالحبس بين ستة أشهر وخمس سنوات، وإذا عاد على الجانى منفعة أو ربح من الجريمة، حكم عليه بغرامة إضافية مساوية لمثلى ما عاد عليه من منفعة أو ربح.. ويحكم فى جميع الأحوال بمصادرة المواد محل الجريمة.

وما لم يتنبه إليه - كذلك - أسيادنا الذين فى كوكب الصحافة والإعلام، هو أن القانون المصرى يفرض هذه الرقابة المسبقة أيضاً على كل ما يتعلق بما ينشر عن القوات المسلحة، ويحظر نشر أو إذاعة أى معلومات أو أخبار عن القوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وأفرادها وبصفة عامة كل ما يتعلق بالنواحى العسكرية أو الاستراتيجية، بأى طريق من طرق النشر أو الإذاعة، إلا بعد الحصول على وثيقة كتابية من مدير إدارة المخابرات الحربية بالنسبة لمؤلف أو واضع المادة المنشورة أو المذاعة أو بالنسبة للمسؤول عن نشرها أو إذاعتها.
أما ثالثة الأثافى فهى «الصحفيين والإعلاميين الذين يخالفون هاتين المادتين من القانون، يحاكمون أمام محاكم عسكرية وليس أمام محاكم مدنية، انطلاقاً من أن القانون يجيز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، ومن باب أولى إذا ارتكبوا جريمة بحق القوات المسلحة.
ومع التسليم بأن الحفاظ على أمن القوات المسلحة وأسرار الأجهزة المسؤولة عن حماية الأمن القومى، هو واجب عام، ينبغى أن نشترك جميعاً فى القيام به، وأن نحترم القوانين التى تكفل ذلك، فلابد من التسليم كذلك بأن هذه النصوص، بتوسعها المبالغ فيه فى رصد الأفعال المؤثمة، تنطوى على مخالفة دستورية ظاهرة، وتفرض رقابة إدارية مسبقة على حرية الصحافة والإعلام تحظرها كل الدساتير المصرية.
تلك حقائق أردت أن أذكر بها، أسيادنا الذين فى كوكب الصحافة حتى يقدروا أولاً لأقدامهم قبل الخطو موضعها، ويتنبهوا إلى أن الشرعية الدستورية لا تلغى بشكل ميكانيكى كل القوانين القائمة، إذ إن كل الثورات والانقلابات والإعلانات الدستورية التى تصدر بعدها، بما فيها الإعلان الدستورى القائم فى مصر الآن، تلتزم بإبقاء كل القوانين القائمة سارية المفعول، إلى أن تقوم السلطة التشريعية، أو من يقوم مقامها، بتعديلها، أو إلغائها.. وحتى يتنبهوا ثانياً إلى أن الأوان قد آن لتقنين الثورة، بحيث يشمل ذلك صدور قانون لـ«تحرير الإعلام» على قاعدة «الموازنة بين أقصى حرية إعلامية وأقصى مسؤولية اجتماعية»، وهو ما يتطلب حواراً هادئاً وعاقلاً مع القوات المسلحة، لإعادة صياغة النصوص التى تتعلق بما ينشر عنها، على نحو يحفظ لها أمنها.. ويصون للصحافة حريتها.

ويا أسيادنا الذين فى كوكب «إنت م الأحرار يا صحفى»: نوبة صحيان!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق