اخر الاخبار

28‏/10‏/2011

حكم العسكر (١-٢) بقلم عمرو الليثى

مازلنا نبحث ونقلب فى دفاتر التاريخ محاولين أن نقرأه قراءة متأنية تكون دليلا لنا فى المستقبل القريب، خاصة أن الآراء اتفقت على أن التاريخ يعيد نفسه.

ففى ديسمبر ١٩٥٢، تم إلغاء دستور ٢٣ الذى يمثل أساس النظام البرلمانى، وصدر قانون حل الأحزاب السياسية ومصادرة أموالها فى ١٦ يناير ١٩٥٣، وفى اليوم التالى أُعلن رسميا تشكيل «مجلس قيادة الثورة»، وفى ٢٣ يناير أُعلن تشكيل «هيئة التحرير» باعتبارها الحزب الوحيد المسموح به، ورغم أن هيئة التحرير كانت بمثابة هيكل بلا مضمون، فإنها لعبت دورا مهما إلى جانب «عبدالناصر» فى أزمة مارس ١٩٥٤.

وفى ١٠ فبراير ١٩٥٣، صدر دستور مؤقت حُكمت مصر وفقا له خلال فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، وعبّر الدستور المؤقت بوضوح عن إحكام الضباط الأحرار قبضتهم على الحياة السياسية، حيث قضى بأن تكون أعمال السيادة العامة لمجلس قيادة الثورة الذى أصبح مخولا بتولى السلطتين التشريعية والتنفيذية معا متمتعا بحق تعيين وعزل الوزراء.

وفى سبتمبر ١٩٥٣، بدأت وقائع ما عرف بمحكمة الثورة التى كانت موجهة أساسا ضد الأحزاب وفى مقدمتها الوفد الذى حوكم كل أعضائه دون الخامسة والستين، وألقى بالعديد منهم فى السجون وعلى رأسهم فؤاد باشا سراج الدين، أما القوة الثانية المهمة فقد كانت الإخوان المسلمين الذين ربطتهم علاقة وثيقة بالضباط الأحرار قبل ٢٣ يوليو، فعندما انتصرت الحركة اعتبر الإخوان ذلك انتصارا لهم.

وخلال الأشهر التالية استمرت العلاقة الودية بين الضباط والجماعة، حيث تم الإفراج عن عدد من الإخوان المحكوم عليهم فى قضايا اغتيالات، وعندما صدر قانون تنظيم الأحزاب سعى «عبدالناصر» إلى استثناء الإخوان وإيجاد مخرج لهم باعتبارهم كانوا من أكبر أعوان الحركة، وكانت النتيجة أن جرى تعديل إخطار التأسيس الذى تقدمت به الجماعة بشكل يبعدها عن مجال الأحزاب.

غير أن هذه الحالة لم تستمر طويلا، حيث أراد الإخوان أن يكون لهم دور فى الحكم يقوم على نوع من الشراكة، وهو ما رفضه الضباط بحسم، فمنذ بداية عام ١٩٥٣ وحتى مارس ١٩٥٤ مرت العلاقة بين الضباط والجماعة بعدة منعطفات، حيث سعى الضباط، و«عبدالناصر» بشكل خاص، إلى جذب جناح فى الجماعة بزعامة رئيس الجهاز السرى عبدالرحمن السندى ضد الجناح الذى يتزعمه الهضيبى، الذى كان يرى اتخاذ موقف متحفظ من نظام الضباط، وكانت نتيجة هذا النزاع إقصاء جناح «السندى» الذى أُبعد عن رئاسة الجهاز السرى، ونشط الإخوان فى جذب عدد من ضباط الجيش والبوليس، وسعوا إلى الاتصال بمحمد نجيب عندما شعروا ببوادر الخلاف بينه وبين «عبدالناصر».

وفى بداية عام ١٩٥٣، تم اعتقال عشرات الشيوعيين وصودرت الجرائد والمجلات اليسارية. وفقدت «حدتو» جانبا من أنصارها لصالح الحزب الشيوعى المصرى الذى اتخذ موقف المعارضة من نظام الضباط باعتباره فاشيا، ووقف تنظيم طليعة العمال من النظام موقفا معاديا واصفا إياه بأنه ديكتاتورية عسكرية.

وإزاء تصاعد القمع الذى طال جميع القوى السياسية، تحالف الشيوعيون والوفد والحزب الاشتراكى والإخوان المسلمون فى تشكيل الجبهة الوطنية الديمقراطية التى طالبت بعودة الجيش إلى الثكنات واستعادة الحياة النيابية وتأمين حقوق التنظيم السياسى والنقابى للطبقات الشعبية، وتكوين علاقات مع الدول فى مواجهة بريطانيا، ووقفت «الجبهة» موقفا معارضا من المفاوضات بين النظام والبريطانيين بشأن الجلاء، حيث عارضت اتفاقا كان الجانبان على وشك التوصل إليه يقوم على بقاء عشرة آلاف خبير بريطانى فى القاعدة العسكرية البريطانية فى منطقة القناة، وتم القبض على العديد من أعضاء الجبهة فى نوفمبر ١٩٥٣. وفى نهاية العام، اعتقل معظم قيادات التنظيمات الشيوعية والعديد من أعضائها. وفى مارس ١٩٥٤، قُبض على عشرات الشيوعيين.

إضافة إلى ذلك، كانت النقابات العمالية تمثل تحديا مهما أمام سيطرة الضباط على مقاليد الأمور، وقد كانت الخطوة الأولى فى مساعى النظام للسيطرة على نشاط النقابات فى أغسطس ١٩٥٢، عندما أضرب نحو عشرة آلاف عامل فى شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع فى كفر الدوار، مطالبين برفع الأجور وانتخاب نقابة تعبر عن العمال. فاتخذ النظام موقفا حاسما فى قمع الإضراب، حيث حوصر المصنع بالدبابات وأطلقت قوات الشرطة النار على العمال وتم القبض على نحو ٥٠٠ عامل وأعدم اثنان منهم بعد محاكمة صورية.

 وقد بدا أن النظام بالطريقة التى تعامل بها مع الإضراب كان يرغب فى تحقيق عدة أهداف. فمن جهة، كان يريد إبلاغ الحركة العمالية أنه لن يتسامح مع أى أعمال يرى فيها إخلالا باستقراره. ومن جهة أخرى، كان يريد أن يطمئن رأس المال المحلى والعالمى إلى أن النظام الجديد ليس له شبهة الانتماء لليسار، وأنه يقف إلى جانب رأس المال.

استمر التوتر بين الثورة والاخوان إلى أن تفجر الموقف فى ١٢ يناير ١٩٥٤ فى احتفال الجامعة بذكرى شهداء معركة القناة، حينما وقعت اشتباكات بين طلبة الإخوان والطلبة الآخرين بسبب استضافة الإخوان زعيم جماعة إسلامية إيرانية، ورد مجلس قيادة الثورة على ذلك بإصدار قرار فى ١٤ يناير بحل الجماعة، وكان القرار ينص على معاملة جماعة الاخوان معاملة الأحزاب السياسية التى سبق أن صدر قرار بحلها، وهو القرار الذى صوت ضده محمد نجيب وحده، وأصدر المجلس بيانا يتهم فيه الجماعة بالسعى للوصاية على الحركة وتجنيد رجال من الجيش والشرطة وإجراء اتصالات مع السفارة البريطانية، واقترن صدور البيان باعتقال «الهضيبى» و٤٥٠ عضوا من الجماعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق