اخر الاخبار

30‏/10‏/2011

انتخابات نقابة الأطباء وكارثة التغطية الصحفية بقلم د. محمد أبوالغار

مما لا شك فيه أن نقابة الأطباء هى نقابة عريقة لمهنة إنسانية مهمة، وكانت انتخابات النقابة، التى جرت حديثاً، تستحق تغطية صحفية أكبر وأوسع، وتستحق توضيحاً أميناً للنتيجة الحقيقية للانتخابات وهذا لم يحدث، بل حدث العكس، وأظهرت مانشيتات «الأهرام والمصرى اليوم والشروق» صورة غير حقيقية ولا تعبر عن النتيجة وهذا أمر مؤسف من المسؤولين عن هذا الملف فى الصحف المصرية، وفى هذا المقال سوف أوضح بدقة نتائج انتخابات النقابة.
أولاً: نجح الأستاذ الدكتور خيرى عبدالدايم نقيباً لأطباء مصر، وهو أستاذ أكاديمى محترم وأعلن مراراً وتكراراً أنه مرشح الجميع وعلى مسافة واحدة من جميع الأطباء، وكان يجب أن تبرز الصحف أهمية نجاح نقيب مستقل لأطباء مصر. وهذه الانتخابات لنقابة الأطباء لها أهمية خاصة لأن انتخابات النقابات المهنية كانت متوقفة بسبب تعنت النظام السابق لفترة طويلة، وسبق هذه الفترة أن نجح الإخوان المسلمون فى جميع مقاعد النقابات الفرعية أو النقابة العامة بالكامل لعدة دورات متتالية منذ نهاية السبعينيات.

ثانياً: كانت مانشيتات الصحف الثلاث هى «اكتساح الإخوان المسلمين لنقابة الأطباء» وهو أمر لم يحدث على أرض الواقع، ويبدو أن جميع المحررين المسؤولين تلقوا معلوماتهم من مصدر واحد غير دقيق بل ومضلل.. والحقيقة أنه فاز تيار الاستقلال وخسر الإخوان الانتخابات فى النقابات الفرعية فى ١٤ محافظة من ٢٦ وهى محافظات: القاهرة، الإسكندرية، أسوان، قنا، الأقصر، سوهاج، أسيوط، المنيا، بنى سويف، البحر الأحمر، السويس، بورسعيد، شمال سيناء ومرسى مطروح، وكان فوز تيار الاستقلال كاسحاً فى القاهرة حيث حصلوا على ١٤ من ١٦ مقعداً وحصدوا جميع مقاعد نقابة الإسكندرية بالإضافة إلى النقيب، وفاز الإخوان فى معظم محافظات الوجه البحرى وكان تفوقهم واضحاً فى الدقهلية والمنوفية وكفر الشيخ والبحيرة وخسروا نقيب الغربية لصالح تيار الاستقلال.

فاز الإخوان بأغلبية فى النقابة العامة نتيجة التصويت الكثيف لصالحهم فى محافظات الدلتا، ومع ذلك دخل مجلس النقابة العامة ستة أعضاء من تيار الاستقلال لأول مرة منذ السبعينيات. هذه النتائج تؤكد بوضوح أنه لم يحدث اكتساح للإخوان فى نقابة الأطباء وإنما تقاسمت القائمتان النقابات الفرعية وفاز الإخوان فى النقابة العامة. وإذا قارنا هذه النتيجة بآخر نتيجة انتخابات قبل الثورة سنجد أن الإخوان قد فقدوا حوالى نصف مقاعدهم فى مجالس النقابات لصالح قائمة الاستقلال ولم تعد النقابة حكراً عليهم.

ثالثاً: تيار الاستقلال هو مجموعة من شباب الأطباء يدافعون عن حقوق زملائهم ويتضامنون معهم منذ عدة سنوات، وبالرغم من عدم وجود دعم إعلامى أو مادى لهذه المجموعة الصغيرة المناضلة فى سبيل رفعة النقابة، مقارنة بالدعم الهائل والقوة السياسية الهائلة للإخوان المسلمين، فإن تيار الاستقلال حقق نصراً كبيراً لم يكن أحد يتوقعه على الإطلاق ولم يكن الأمر كما صورته الصحافة.

رابعاً: النقابات المهنية والعمالية لها وظيفة أساسية وهى رفع مستوى المهنة والدفاع عن مصالحها ومحاسبة المخطئ من أعضائها، وهى مسؤولة عن توفير الرعاية لأعضائها وحمايتهم من جبروت الدولة أو القطاع الخاص، ويجب أن ترعى المتقاعدين والمرضى منهم. وهذا هو العمل الأساسى للنقابات، ولكن نظراً لاستحالة العمل السياسى والحزبى والمشاركة فى انتخابات نزيهة قبل الثورة اضطرت النقابات جميعاً إلى العمل السياسى، وهو أمر كان ضرورياً ومفهوماً فى هذه الظروف. الموقف الآن اختلف ومصر تحررت من القبضة الحديدية للنظام السابق وأصبح تكوين الأحزاب متاحاً للجميع، فيجب أن يقف الجميع يداً واحدة للدفاع عن نقابات حقيقية ونترك الأمور السياسية البحتة للأحزاب، ويتم انتخاب أعضاء مجالس النقابات بناء على كفاءتهم وليس بناء على انتمائهم الحزبى.

نقابة أطباء مصر أمامها عمل مهم وكبير فالمهنة نفسها فى خطر، رواتب الأطباء وبدلاتهم متدنية للغاية والأطباء يعملون فى ظروف سيئة وصعبة دون معدات وأدوية ودون مساعدة من الجهاز الإدارى، وأصبحت حياة الأطباء فى أقسام الاستقبال فى خطر، وأصبحت الدراسات العليا والتعليم الطبى المستمر- وهو أمر ضرورى لأى طبيب- مكلفة، بعد رفع مصاريف الدراسات العليا فى الجامعات وأصبحت الإجازات العلمية للبعثات الداخلية للأطباء صعبة بل مستحيلة. الطبيب مضطر أن يعمل فى أكثر من مكان معظم الليل والنهار ليتكسب رزقه البسيط. الغالبية العظمى من أطباء مصر من الفقراء، فهذا هو عمل النقابة الحقيقى، الكفاح من أجل أن نرفع مستوى الطبيب العلمى والمادى ونحافظ عليه وندافع عنه بالحق.

أعتقد أن مجلس النقابة العامة والنقابات الفرعية يمثل فيه الآن مختلف التيارات، ولذا سوف يكون أكثر قدرة على تحقيق مطالب جموع الأطباء، وسوف يستمع مجلس النقابة إلى آراء وأفكار مختلفة، كل ذلك سوف يثرى العمل النقابى ويوحد النقابة لعملها الحقيقى والوحيد فى فترة ما بعد الثورة. النقابة على رأسها نقيب متميز ومجموعة متميزة اختارها الأطباء فى انتخابات حرة من الإخوان المسلمين وتيار الاستقلال وعليهم أن يعملوا سوياً على رفعة شأن النقابة حتى تعود للطبيب المصرى قيمته ويعود للمريض المصرى حقه فى العلاج والمعاملة الجيدة.

تحية لكل الفائزين وكل الذين خسروا بشرف فى المعركة الانتخابية. ولنعمل جميعاً يداً واحدة فى حب مصر بعد الثورة. وأكرر غضبى من التغطية المهنية الضعيفة وغير الحقيقية من كبرى الصحف المصرية عن نتائج انتخابات الأطباء.

قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق