اخر الاخبار

07‏/10‏/2011

مؤامرة على الثورة «١ من ٢» بقلم محمد البرغوثى

فى السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، كانت مصر دولة رخوة يديرها نظام أمنى شديد القسوة، وبعد سقوط مبارك أصبح الأمر أكثر سوءاً، لأننا مازلنا نعيش فى دولة رخوة يحكمها نظام أكثر رخاوة، لا يعرف ما الذى يريد، ولا نعرف كيف سيغادر بنا هذا المستنقع الذى أوصلتنا إليه السياسات والقرارات الغامضة والمتخبطة والملتوية.

فى ظل حكم مبارك تمكنت أجهزته الأمنية الفاسدة والمتوحشة من فرض سيطرتها على المجتمع لقمع الاحتجاجات وتزوير الانتخابات، ولم تترك هذه الأجهزة مكاناً إلا واخترقته: صنعت شيوخاً أشاعوا الجهل والخنوع عبر الفضائيات، ودفعت بالأفاكين والكذبة واللصوص إلى مناصب الإدارة العليا فى الجامعات ومراكز البحوث والهيئات الاقتصادية والشركات القابضة، وربت هذه الأجهزة عشرات الآلاف من البلطجية لاستخدامهم عند الضرورة فى إفساد المظاهرات ومنع الناخبين من الاقتراب من اللجان، واعتمدت على كبار المسجلين خطر فى تلفيق التهم للمواطنين إذا جرؤ أحد منهم واعترض على إهانة أو فكر فى رد اعتداء.

رأينا أجهزة أمنية جبارة تضع كل إمكاناتها فى خدمة مجموعة من رجال الأعمال، استولوا على الشركات العامة بتراب الفلوس ونهبوا أراضى الدولة واحتكروا عشرات السلع الضرورية وغالوا فى أسعارها دون مبرر، وقد حرص رجال الأعمال هؤلاء على تخصيص جزء من أرباحهم لهذه الضباع الفاجرة، مقابل توفير الحماية من العمال والمواطنين، والتحرك الفورى للإجهاز على أى عامل يجرؤ على الاعتراض.

سقط نظام مبارك، وتلاشت معه أجهزته الأمنية القذرة، وحبس رجال الأعمال أموالهم عن ضباع الأمن، ووجهوا جزءاً منها إلى عتاة الإجرام والبلطجة لحمايتهم أولاً من الغضب الشعبى، ولدفع البلاد ثانياً إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، فهم يعلمون أن النظام، مهما كان فساده، أكثر رحمة من الفوضى، وأن الناس بإمكانهم دائماً أن يتحايلوا ويعيشوا إلى حد ما فى ظل نظام فاسد ولكنه قوى، ولكن الحياة تتحول إلى جحيم لا يطاق إذا انهار نظام، ولم يحل مكانه فوراً نظام جديد.

انعدام النظام فى مصر الآن، هو الكارثة المخيفة، والكابوس الأفظع من كل فظاعات نظام مبارك، لقد انكشفنا تماماً أمام البلطجية ولصوص الأسواق، جرّب أن تتصل بالنجدة للإبلاغ عن حالة تعد أو بلطجة أو لصوصية، لن يرد عليك أحد، اذهب إلى مستشفى خاص ستتعرض فوراً للنهب دون علاج، وإذا خطر لك أن تستنجد بوزارة الصحة فسوف تكتشف أن وزيرها الثورى مشغول حتى النخاع بتلقين المبادئ الثورية لقيادات وزارته، الأمر كذلك فى وزارتى الزراعة والتربية والتعليم،

 فوزير الزراعة الملتزم دينياً يتحدث للصحف عن توافر الأسمدة فى التعاونيات، ويأمر التعاونيات شفوياً بحبسها عن الفلاحين، ووزير التربية والتعليم شغلته أمور لا ندرى عنها شيئاً عن متابعة المدارس الخاصة، التى رفعت مصروفاتها إلى أكثر من ٣٠٪ وقررت على التلاميذ ١٠ حصص فى اليوم، وفرضت على أولياء الأمور رسوماً أخرى، ومنعت الباصات من انتظار الأطفال أمام بيوتهم، كما كان يحدث، وفى وزارة الداخلية نشطت الإدارة العامة لتنفيذ الأحكام فى مداهمة بيوت الناس الطيبين وألقت القبض على عشرات الآلاف من المواطنين الغلابة وألقت بهم فى أقسام الشرطة حتى ينتهى محاموهم من عمل معارضة فى الأحكام الغيابية.. ولم يحدث أبداً أن شاهد الناس قوة عاتية من قسم شرطة تدخل شارعاً أو حارة للقبض على بلطجى أو تاجر مخدرات معروف.

ما يحدث فى مصر الآن هو انفراد الضباع ولصوص الأسواق بالمواطنين، لا توجد سلعة واحدة لم يزد سعرها دون مبرر، حتى السيارات ارتفعت أسعارها، وقطع غيارها المغشوشة أصلاً تضاعفت أسعارها، وكأننا أمام مرتع بحجم وطن عاث فيه التجار فساداً ونهباً، وهناك شعور طاغ لدى كثيرين بأنه نهب منظم ومقصود، وأن هناك من يرعى هذا النهب ويشجعه، وهناك من يلاحظ ويبارك، وهناك من يظن أن هذه الحالة ستنتهى حتماً بإعادة الشعب إلى حظيرة الطاعة مقابل بعض الأمان والقليل من الرحمة، فهل ستنجح هذه المؤامرة على ثورة الشعب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق