اخر الاخبار

13‏/10‏/2011

يعنى إيه كلمة وطن؟بقلم نفين مسعد

كَتبت صاحبتى المسيحية فى صفحتها على الفيس بوك عبارة تقول « لم يعد لى مكان فى هذا البلد»، وتلقت العديد من إشارات الاستحسان مع بعض تعليقات تشير عليها بالصبر والعمل من أجل تغيير الظروف إلى الأفضل. صاحبتى هذه فتاة عادية نشأت وتربت فى حى شبرا، كانت أمامها فرصة سفر للخارج خصوصاُ أن أفرادا من أسرتها هاجروا للولايات المتحدة ويحملون الجنسية الأمريكية، لكن الجاذبية الوطنية ظلت تشدها إلى هذه الأرض وهؤلاء الناس والجيران. ولذلك فإن عبارتها الصادمة على الفيس بوك كانت أقسى مشاهد يوم الأحد التاسع من أكتوبر رغم كل دمويته وحماقته، كانت الأقسى لأنها تعاملت مع الوطن على أنه «هذا البلد»، فقاومَتَ لأول مرة جاذبيته الأرضية وقطعت الصلة التى كانت تشدها إلى ترابه هى ومعها كل من شاركها فى الرأى.

 فى كل الأحداث التى توصف إعلاميا بالوصف الكريه «الفتنة الطائفية» يوجد سؤال غائب هو : كيف ينظر المسلمون إلى المسيحيين المصريين؟ هل هم مواطنون كما هو أنت وأنا وكل من وُلد على أرض مصر وعاشت فيه ولم يكتف هو فقط بالعيش فيها؟ أم هم ليسوا مواطنين أو هم فى أفضل الظروف مواطنون من الدرجة الثانية لأنهم ولدوا على غير دين الأغلبية المسلمة فى مصر؟ الإجابة على هذا السؤال شديدة الأهمية لأنها تؤشر للاتجاه الذى سنسير فيه فى المستقبل.
إن كان مسيحيو مصر مواطنين كاملى المواطنة ما ثار جدل قبل الثورة عند تعديل المادة الأولى فى دستور 1971 ليصبح نصها هو « جمهورية مصر العربية نظامها ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة «، ومثار الجدل هو أن دولة المواطنة لا تُميز بين مواطنيها. ولو كانوا مواطنين كاملى المواطنة ما كنا سنُشعرِهم بعد الثورة بأنهم يمثلون عبئا على النظام الجديد ولا سألنا كل رموز التيارات الإسلامية الصاعدة : ماذا تنوون أن تفعلوا بقبط مصر؟. ما كنا سمحنا بمناقشة حق المسيحى فى رئاسة الدولة أو شروط الجزية وبدائلها أو مواصفات بناء الكنائس ووضع القباب والصلبان. ولو كانوا مواطنين كاملى المواطنة قبل الثورة وبعدها ما تكرر التعدى عليهم ولم ينزل عقاب على المعتدين تارة بدعوى الجنون وأخرى باسم مجالس الصلح العرفية وثالثة بالتلكؤ فى تنفيذ الأحكام القضائية. ما تركنا حملات تكفيرهم جهارا نهارا تبثها فضائية مثل قناة الحافظ ويدافع عنها شيوخ السلفية أمثال د.ياسر برهامى ولطبقنا بكل ديمقراطية قوانين الدولة « المدنية» فى حالات الحث على الكراهية وتهديد السلم الأهلى.
أما إن كان مسيحيو مصر منقوصى المواطنة كما هو حال بعض أبناء الكويت مثلا ممن يحملون جنسية دولتهم ولا يتمتعون بممارسة حقوقهم السياسية فيها (وهؤلاء يختلفون عن البدون الذين لا يحملون أصلا جنسية دولتهم)، إذا كان الأمر كذلك فلنفعل إذن كل ما ينبغى أن نمتنع عنه لو أجبنا على سؤال مواطنة المسيحيين بالإيجاب. نحث الخطى فى اتجاه تديين المجتمع والسياسة والدولة بدين الأغلبية ونستميت فى تجميد تدين الجماعة المسيحية بل ونحد من مظاهر هذا التدين ما أمكن. نلوح بالجهاد وبملايين الشهداء لو أقرت مبادئ مستقاة مباشرة من منظومة حقوق الإنسان وننسى الحصاد المر لاستخدام سلاح الجهاد فى غير موضعه فى السودان. نعرض الخلافة على أردوغان فى دولة تقوم على أساس الرابطة الدينية وندير له ظهورنا عندما يتحدث عن العلمانية التى هى دولة المواطنة للجميع.
 ●

مشكلة المسيحيين فى مصر إننا نرفض فى عقلنا الجمعى إنكار مواطنتهم، نستهجن وصفهم بالأقلية ولا نقبل مقارنتهم بأى من الأقليات الدينية والقومية فى وطننا العربى، نستعذب ميراث ثورة 1919 ونتمثله فى أيام الثورة الثمانية عشرة، لكننا فى الوقت نفسه لانمكنهم من ممارسة مواطنتهم كاملة، نُخضع تمثيلهم السياسى وفى المناصب القيادية لمنطق العدد، ونتحرج من حرية ممارسة شعائرهم الدينية، ونستميت فى الدفاع عن خانة الديانة فى الرقم القومى. المسيحيون إذن يقعون فى منزلة بين المنزلتين، وهذا يفسر التساهل مع انتهاك حقوق المسيحيين والفزع فى الآن ذاته من الحديث عن « الفتنة الطائفية» والمبادرة بإنكارها متى وقعت.

ومع ذلك فإن واقعة ماسبيرو هى نقطة فارقة بين ماسبقها وماسيتلوها. فارقة لأنها أول صدام بين المسيحيين والجيش، فلئن كان المسيحيون يشعرون بنمو الطائفية بين قطاعات واسعة من المصريين، فإنهم يعتبرون الجيش مؤسسة وطنية بامتياز وهذا يشعرهم بالأمان. وهى فارقة من حيث انتشار الدعوة الخطيرة لطلب الحماية الدولية. صحيح أنه سبق رفع هذه الدعوى فى مناسبات سابقة فى العامين الأخيرين، لكن المؤسف هو تكرارها بل وانتشارها. والواقع أنه حتى بعيدا عن الغيرة الوطنية أى بمنطق مصلحى بحت لو كان الخارج يملك حماية أحد لما قُتل مسيحى عراقى فى حضرة الوجود العسكرى الأمريكى. فالدور الخارجى لن يوفر الحماية للمسيحى فى داره ومحل عمله والطريق التى يمر بها ومدارس أولاده وناديهم، وحده الوطن هو الذى يفعل ذلك، أو هو الذى يفترض فيه أن يفعل ذلك.

 فى الأزمة الأخيرة التى بدأت بهدم كنيسة ماريناب وانتهت بمظاهرة ماسبيرو حضر الجميع: إمام المسجد المحرض، المحافظ الذى تزلف للشباب المهاجم وتفهم حماسته، المتظاهرون الذين علمتهم تجارب سابقة أن الجناة يفلتون بجرائمهم فجاءوا من كل فج عميق وهددوا باقتحام مبنى ماسبيرو، الجنود الذين تعاملوا مع المتظاهرين بقسوة لا يمكن لمخلوق الدفاع عنها، البلطجية اللاعب الأساسى فى صدامات الجيش مع القوى المدنية بالذات، الإعلام الرسمى الذى قسم المواطنين إلى فسطاطين شرفاء وغير شرفاء وناشد الأوائل نصرة الجيش، أما الوطن فكان هو الغائب الأكبر والمصاب رقم 330 حسب آخر الإحصاءات الرسمية. ومن دون أن نجيب على السؤال الغائب فى هذه الأزمة كما فى كل الأزمات السابقة المماثلة: كيف ينظر مسلمو مصر إلى مسيحييها؟ فلن تشفى قط إصابة الوطن.

 ترن فى أذنى كلمات أغنية من أجمل مايكون كتبها محمد العدل وأنشدها محمد فؤاد، أهديها لصاحبتى المسيحية لعلها تجد نفسها ولو فى مكون واحد بسيط من مكونات هذا الوطن، وأهديها لكل الغارقين فى تطلعاتهم وتعصبهم لعلى ألامس فيهم نقطة ضعف إنسانى صادق، تقول الأغنية:

يعنى إيه كلمة وطن؟

 يعنى أرض مكان حدود

ولاّ حالة من الشجن


شاى بالحليب على قهوة فى الضاهر هناك


نسمة عصارى السيدة ودير الملاك

ولا شمس مغرقة برد النهار، نشع الرطوبة فى الجدار


ولاّ أمك ولاّ أختك ولاّ عساكر دفعتك والرملة نار


يعنى إيه كلمة وطن؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق