اخر الاخبار

28‏/10‏/2011

لم نعرف فى الحق هوية عمرو خفاجي

لم تكن «الشروق» مجرد جريدة صدرت. فحقائق وأحداث ألف عدد تحكى قصة من قصص اشتباكات السياسة بالصحافة والسلطة بالرأى.. قصة تليق تماما بثورة مثل تلك الثورة التى تفجرت فى 25 يناير..
«الشروق» قصة صحيفة أخلصت للمهنة وتحملت مسئوليتها الوطنية وانتصرت للشعب.. صحيفة أعلنت عن دستورها قبل أن تصدر: عين على الحقيقة، وعقل للوطن، وقلب مع الناس.. لذا لم يكن الأمر، سهلا ولم تكن الطريق سالكة..
«الشروق» .. تحقق لمصر منذ ذلك الصباح البديع صباح الثلاثاء 25 يناير.. كانت الجريدة كما صدرت شروقا لمصر.. جنديا فى مقدمة صفوف التغيير لا يكل ولا يمل من إعلان أن «الحقيقة واضحة زى الشمس».. وحين آن أوان القتال.. انتصرت للشعب.. فانتصر لها الشعب.. وتم الإعلان عن أن «الشروق» جريدة الثورة..
.. وقبل الألف يوم التى أشرقت فيها هذه الصحيفة على مصر.. كانت هناك مئات الأيام الأخرى التى ناضل فيها مؤسسو الجريدة كى تظهر للنور.. فالنظام السابق كان يعرف جيدا معنى ظهور جريدة جديدة.. وكان يعى كل الوعى خطورة أن تكون هذه الجريدة مخلصة للمهنة.. قادرة على قول الحق.. فهذه كانت الصورة لديهم، فهم كانوا يعرفون، ولذلك كانوا يعطلون كل شىء حتى لا تشرق مثل هذه الأفكار وسط حالة إعلامية متردية.. منافقة.. خائفة .. خائنة.. كاذبة.. إلا القليل من الوسائل.. مقالات هنا.. وبرنامج تليفزيونى هناك.

فكان من الأفضل ألا تشرق هذه الأفكار وألا تطل أى شجاعة.
(رفض صدور الصحيفة ومحاولات ارهاقها ماليا ورأى لجنة سياسات الحزب المنحل فى صدورها مدون فى محاضر المجلس الأعلى للصحافة).
منذ الصدور لم تتوقف.. محاولات تعطيل عقل ورأى الصحيفة.. وحينما باءت كل المحاولات بالفشل. لم يجد النظام سوى الضرب تحت الحزام بضرب مصالح المؤسسين الاقتصادية حتى يرتدعوا، ويقوموا بتسليم أظافر وأسنان الصحيفة للنظام على طبق من فضة.. وأن تقف الصحيفة، بذكاء، على حد تعبير قيادة أمنية، فى صف مشروع التوريث القادم.. كما تفعل صحف مستقلة أخرى.. صحف تبدو معارضة.. لكنها فى واقع الأمر هى قلب النظام النابض بالكذب والافتراء.. والحقيقة هنا.. أن «الشروق» قبضت على الجمر ومارست الحقيقة وأطلقت مواقفها بكل عنفوان.. ضد كل ما هو ضد الناس.. والحقيقة الأهم أن المساهمين لم يستغلوا ــ كغيرهم ــ الصحيفة فى التفاوض أو حتى نشر ما تعرضوا له ولو بسطر واحد.. وضاعت ملايين الجنيهات على رءوس الأشهاد.. وتعطلت المصالح الاقتصادية.. وزاد الحصار.. فعلت «الشروق» وبقيت الحقيقة قابعة مستقرة على صفحاتها مخلصة لقارئها.
●●●
ألف عدد.. كان القارئ دائما، وسيظل، على موعد مع الحقيقة والإخلاص.. ومع كل محاولات نهضة هذا الوطن، على الأقل، فيما نعتقد أنه الصواب.. فحينما كانت الصحافة فى مصر تتحدث عن محمد البرادعى باعتباره عميلا وخائنا.. كانت الصحيفة الوحيدة التى أعلنت أنه قادم إلى مصر ليشارك فى التغيير.. وحينما اشتدت حملات الصحافة الكاذبة على الرجل وقالوا إنه مزدوج الجنسية وإنه سيلعب الجولف ويستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية فى جنوب فرنسا.. طارت «الشروق» إليه فى «فيينا» ليعلن عبر صفحاتها أن مصر ستتغير قبل انتخابات الرئاسة القادمة.. وهى الشجاعة التى لم تتحملها صحيفة أخرى غير «الشروق».. والتى واصلت حملتها فى التغيير حينما أعلنت بعد أسبوعين فقط  من حوار البرادعى أن عمرو موسى سيخوض الانتخابات.. وتحديدا أن ذلك سيحدث لأن مصر لن تسمح بالتوريث.
ما فعلناه شجع البعض على ذلك حتى صار الجدول نهرا.. وتغيرت مصر.. ومنذ اللحظات الأولى للتغيير.. احتضنت «الشروق» «الجريدة والمبنى» كل أصوات الحق.. فى عز الثورة جاء شبابها وأعلنوا من الطابق السادس أن الثورة مستمرة حتى يتنحى مبارك.. نفس الطابق احتضن حكماء الوطن الذين اجتهدوا من أجل حقن دماء الشباب.. كانت «الشروق» هى محطة الانطلاق نحو «التحرير» ..والانطلاق للوطن بالتشجيع على الثورة واحتضانها..
المشهد فى «الشروق» أصبح معتادا..  استضفنا كل مرشحى الرئاسة.. موسى، البرادعى، أبوالفتوح، حمدين، بسطويسى.. العوا.. ويظلون فى حالة انعقاد دائم حتى تمر الأزمة.. ونشهد فى «الشروق» أن هؤلاء ساهموا كثيرا فى وأد فتن كانت من الممكن أن تعصف بالثورة.. بل بالوطن كله.
بالمناسبة هذه الحالة لم تتوقف حتى الآن.. فبمجرد أن تطل الأزمة برأسها. تأتى الرءوس الوطنية المخلصة لمبنى «الشروق» حتى تتفق على مواجهة ما يحدث.. ومنذ أيام وفى ليلة الأحد الدامى (9 أكتوبر) وبينما الأحداث مازالت مستمرة أمام ماسبيرو.. وجدت أمامى عمرو موسى فى صالة التحرير يسأل عن الموقف وتطوراته ويسأل عن بقية الحضور.. وقال «معلش احنا اتفقنا نقعد هنا نشوف ها نعمل ايه .. دقائق وجاء جميع الرجال الذين اعتادوا أن يطلقوا من «الشروق» مواقفهم وبياناتهم وجهودهم لحل الأزمات».
●●●

أيام الثورة الثمانية عشر كانت درة الأيام الألف.. حالة تاريخية مذهلة تكشف بجلاء عن حقيقة ناس هذا الوطن.. فى جمعة الغضب 28 يناير.. كنا جميعا نقف فى شرفة الطابق الأول.. حتى وصلت أول مظاهرة شعبية تهتف «الشعب يريد إسقاط النظام».. فخرجت الصحيفة إلى الشارع من رئيس مجلس الإدارة إلى أبسط عامل..  تشارك فى الهتاف.. وبقينا قلة فى مبنى الجريدة من أجل أن نكتب «الشعب يريد إسقاط النظام».. لتقرأه مصر صباح اليوم التالى..

مصر فى صباح 1 فبراير 2009 استقبلت «الشروق» مثلما تستقبل كل الصحف الجديدة.. «دعونا نرى».. وهذا ما كنا نعرفه ونفهمه وتتفهمه.. فالشك فى الصحافة ونظرية «كلام جرايد» و«التسبيح بحمد النظام» ثوابت عند القارئ قبل الثورة، لذا كانت سياستنا التحريرية واضحة فى الانحياز للمواطن ومطالبه والانحياز يعنى قول الحقيقة ولا شىء غير الحقيقة، كل ذلك فى إطار من الجهود المهنية المتميزة.. كنا نعرف أن هناك من يتربص بنا.. بينما كنا نتربص نحن للأخبار.. وكشفنا عن الغارة الجوية التى استهدفت السودان، واستنكرت وسائل الإعلام ما كتبناه حتى أكدت النيويورك تايمز وصحف عالمية أخرى.. الفرق الوحيد أن صحف العالم قالت إن «الشروق كشفت».. بينما كان زملاء المهنة هنا يرددون أن «الشروق كذبت».. وعرفنا أن المهمة ليست سهلة وأن أطراف وأصابع النظام أكثر وأطول مما نظن.. وأن العدو أقرب وأغرب مما نعتقد.

فى رحلة الألف عدد، طاردنا الأخبار فى كل مكان، حققنا فى كل الوقائع، أعلنا عن مواقفنا بشجاعة وهدوء من دون صخب أو ضجيج كاذب، كما يفعل الكثيرون، والأهم بحياد تام، كنا لا نغفل وجهة نظر، كنا نحاور ونواجه وزراء حكومة نظيف (لم نعش حكومة غيرها قبل الثورة).. وكنا نتابع نقديا الحزب الحاكم.. كما كنا نقف صراحة مع الإخوان فى أيام محنتهم حتى أطلقت علينا صحف النظام السابق وكتابها، صراحة أننا صحيفة الإخوان.. وفريق آخر يعلن أننا ممولون من الخارج لأننا ندافع عن الأقباط.. وحينما وقفنا فى صف العمال قالوا اننا ضد استقرار البلاد.. وإنها صحيفة يسيطر عليها «شيوعيون».. وحينما قتل الشاب خالد سعيد.. قلنا إنه قتل وإنه لم يبتلع لفافة البانجو كما قال غيرنا فى صدر صفحاتهم الأولى.. وعندما مات سيد بلال من التعذيب كنا فقط الوحيدين الذين أعلنوا على الصفحة الأولى أن سيد بلال الشاب السلفى مات من التعذيب على يد الداخلية ونشرنا صوره.. بينما السلفيون أنفسهم لم يحركوا ساكنا.. كنا ندافع عن كل صاحب حق، فقط لأنه صاحب حق، وليس لأنه شيوعى أو إخوانى أو سلفى.. فلم نعرف فى الحق هوية ولم ننتصر لطائفة أو عقيدة سياسية.

حمولة الألف عدد، ولله الحمد، ثقيلة.. مليئة بجهد.. نعلم جيدا أنه واجبنا، لا تتسع هذه الصفحات لمجرد الإشارة إليها.. فقد كنا نقاتل فى أنحاء المهنة الأربعة.. من الخبر إلى التحليل ومن التحقيق إلى التعليق ودائما الرأى بجسارته من دون مواربة.. إلا أن الفساد كان شاغلنا الشاغل.. طاردناه وواجهناه فى عز سطوة أبطاله.. كشفنا فساد أراضى إبراهيم سليمان فى حملة، لم يشاركنا فيها أحد.. فالرجل «خيره على الجميع».. ونجحنا وما قلناه حينما كنا نمسك بالجمر.. يزهو به غيرنا وهو يمضغ حلوى خفيفة الهضم الآن.. تحدثنا عن فساد سليمان عامر وأراضى التنمية الزراعية.. فلم يستمع إلينا أحد إلا بعد الثورة وبدلت القانون بعد 25 يناير.. المنهج نفسه كان فى كل القطاعات.. الفن.. الثقافة.. الرياضة..
قبل الثورة.. قلنا إن الحرية تموت.. والانتخابات مزورة.. فذهبنا للمحكمة لنواجه السجن ليكون الحل الأخير عند صانع قرار الماضى لإسكاتنا.. فصمدنا.. وقامت الثورة فمرت الأمور بسلام، واجهنا الأزمة ــ كعادتنا ــ بهدوء وفى صمت ومن دون مؤتمرات وتضامنات.. لأن واجبنا هو نشر الحق والحقيقة من دون انتظار تصفيق أو تهليل.
ألف عدد، وكأنها آلاف، ألف عدد فى سنوات مصر الصعبة.. صدرنا من أجل التغيير.. وتحقق.. صدرنا من أجل النهضة.. وهذا جدولنا القادم.. نهضة من السياسة إلى الثقافة.. ومن الاقتصاد إلى الفن ومن التعليم إلى الصحة.. وكل ذلك من أجل نهضة المواطن.. فلا نهضة لوطن من دون نهوض مواطنيه.
●●●
ألف عدد، لم تكن تحقق أهدافها.. لولا كبار كانوا مثل حراس الحقيقة.. رعاة المهنة.. لشباب هم أصحاب الفضل فى شروق «الشروق» على صحافة مصر.. فحينما يكون هناك كبار من أوزان سلامة أحمد سلامة وفهمى هويدى وجميل مطر وحسن المستكاوى.. فلابد أن يكون هناك شباب يستعدون لاستكمال المهمة.. هنا لا نكتب من باب الصياغات الجميلة أو الدوافع العاطفية.. بل لأسباب عقلية تكشف عن الوقائع: إن شباب جريدة «الشروق» الذى ينتشر فى مصر ويسهر فى المقر ونام فى التحرير هو الذى كتب الواقع وغيره.. هو الآن فى مهمته الصعبة فى التعبير عن المستقبل والمشاركة فى جعله أفضل.


لا يمكن ونحن نتحدث عن الشباب، إلا وأن نذكر زميلنا الراحل المصور محمد حسن الذى كان كالطيف مر علينا فى سلام.. أدى المهمة وأحسن تأديتها ولم يترك لنا سوى حزن عميق لم يغادرنا حتى الآن.

فى العدد الألف نحن لا نحتفل.. بل نعلن عن موجة جديدة فى الصحافة تبدأ من العدد الألف وواحد.. فنحن على يقين أن مقبل الأيام فى مصر يحتاج إلى عين على الحقيقة، وعقل للوطن، وقلب مع الناس.. وهذه هى ثلاثية «الشروق» المقدسة.
مقالات أخرى للكاتب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق