اخر الاخبار

19‏/10‏/2011

إعادة ضبط بوصلة الذات السياسية (١)بقلم عمرو حمزاوي

والمقصود بالذات السياسية هو ذلك الجزء منى الذى يهتم ويمارس السياسة كعمل عام. وجوهر إعادة ضبط البوصلة هو استخلاص بعض الدروس من خبرتى خلال الأشهر الثمانية الماضية بالتعامل النقدى معها. ومصارحة القراء هنا تستند إلى مسئولية ممارس السياسة المؤمن بالديمقراطية تجاه الرأى العام وضرورة التزامه العلنية حين تقييم الأفعال وتصويبها. ومن الطبيعى، وليس من باب جلد الذات، أن يقتصر التعامل النقدى مع الذات على توضيح وتحليل السلبيات والنواقص وأن يترك أمر الإيجابيات المحتملة لآخرين.
الدرس الأول خطورة التسرع فى بيئة سياسية متغيرة: عندما أنظر إلى الأشهر الماضية أجد أن عملى فى السياسة مر بمرحلة أولى انتهت بعد استفتاء التعديلات الدستورية وإعلان نتيجته واتسمت فى ظنى بمواقف واضحة وذات جوهر ديمقراطى مثل تفضيل التصويت بـ«لا» على التعديلات دون تخوين لدعاة نعم ثم قبول نتيجة الاستفتاء منذ اليوم الأول لإعلانها واحترام الإرادة الشعبية. أما المرحلة الثانية التى امتدت إلى لحظة تقديمى أوراق ترشحى للانتخابات البرلمانية فى الأسبوع الماضى، وأحاول اليوم الخروج الواعى منها بهذا النقد الذاتى، فشهدت شيئا من التأرجح المقلق للرأى العام.
تأرجح فيما خص الموقف من الأحزاب والقوى السياسية أبرز ملامحه الدخول فى تحالفات انتخابية وسياسية كالكتلة المصرية ثم الخروج منها ومن قبل ذلك الانضمام للحزب المصرى الديمقراطى ثم الانسحاب منه لأسباب أعلنت حينها وتأسيس حزب مصر الحرية. تأرجح فيما خص أدوات العمل السياسى الهادف لاستكمال مطالب الثورة، تارة بتأييد الخروج الآمن إلى الشارع والتظاهر السلمى وتارة بالدعوة إلى الحوار مع السلطات وضمان مسار التحول الديمقراطى تفاوضيا. مصدر التأرجح على المستويين هو التسرع فى قراءة بيئة سياسية دائمة التغير ونسيان بعض الدروس الأساسية فى السياسة من أن التحالفات الانتخابية تحتاج لإطار سياسى وحركى متماسك وأن أدوات العمل السياسى فى مرحلة تحول ديمقراطى لا ينبغى قصرها على أدوات النوع الواحد.
عزائى هنا، وبعيدا عن أن البيئة المتغيرة فرضت ذات التأرجح على كثيرين وحملتنا جميعا اتهامات بالانتهازية السياسية، هو أن أفعالى لم تبتعد عن الجوهر الديمقراطى والعمل على ضمان مرحلة انتقالية ناجحة فى مصر إن بمحاولة التنسيق مع أحزاب مدنية أو بالعمل على الوصول إلى قائمة وطنية موحدة من التحالف الديمقراطى والكتلة المصرية أو بالحوار مع المجلس العسكرى لانتزاع جدول زمنى لنقل السلطة للمدنيين. لم تسفر هذه المحاولات عن الكثير وابتعدت عنها كما ابتعد غيرى، إلا أنها سببت تأرجحى وكلفتنى بعضا من ثقة الناس.
الدرس الثانى خطأ مهادنة أصحاب الخطابات الإقصائية: مصر لن تتحول إلى الديمقراطية إلا بتوافق وطنى واسع وكتلة سياسية وسطية تضم الإسلامى والليبرالى واليسارى والقومى، قناعة لا تغيب عن ذهنى أبدا وأؤمن بصحتها. إلا أن العمل على بناء التوافق مع أحزاب وتيارات تقصى الآخر السياسى أو تسعى لاحتكار حق الحديث باسم الديمقراطية وتمارس الاستعلاء على المواطنين هو مضيعة للوقت والطاقة ومسبب ميوعة فى الخطاب السياسى عانيت للأسف منها فى مرحلة ما بعد الاستفتاء.


دفاعى الصريح عن الدولة المدنية وحقوق المواطنة المتساوية تحول فى بعض الأحيان وعلى وقع حملات منظمة لدعاة التطرف والإقصاء (بعضها نشر تعليقات على موقع الشروق الإلكترونى) إلى حديث ملتبس ودائرى لا يسمى الأمور بمسمياتها المنطقية. ومع أننى صغت بوضوح اختلافى مع الأحزاب والتيارات المدنية فيما خص احترام نتيجة الاستفتاء وعدم التحايل على الإرادة الشعبية، إلا أننى أصبحت أصنف ضمن هذه الأحزاب والتيارات التى مازال بعضها يمارس التحايل بالدعوة إلى الدستور أولا أو الدستور أخيرا (أى بعد انتخابات البرلمان والرئاسة) وفى الحالتين لا جوهر ديمقراطيا على الإطلاق.



لست فى حاجة لأن أمهر دفاعى عن الدولة المدنية بتأكيد على التزام الهوية الإسلامية، فهذا أمر غير محل جدل فى مصر وتكراره يباعد بين النقاش السياسى وبين التركيز على قضايا التحول الديمقراطى والمرحلة الانتقالية الحقيقية. ونعم للمجتمع مرجعية دينية ترتبط بدين الأغلبية والشرائع الأخرى، إلا أن مرجعية الدولة هى دستورها والتزامها بالقانون والمواطنة والمساواة. ولست براغب فى تحمل وزر تيارات تدعى المدنية واحترام حقوق المواطن وهى توظف الملف الطائفى انتخابيا وبعض رموزها ينعتون المصريات والمصريين بالجهل ويدعون احتكار الوعى السياسى لأنفسهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق