اخر الاخبار

14‏/10‏/2011

الخطر الأكبر الآن بقلم محمد سلماوى

 بعيداً عن مشاعر الألم التى تعتصر قلب مصر منذ أحداث يوم الأحد الدامى فى ماسبيرو، وبعيداً عن إنكار كل فريق اعتداءه على الفريق الآخر وإلقاء اللوم - كما جرت العادة قبل ٢٥ يناير - على العناصر المندسة، فإن ما تؤكده المواجهة المسلحة التى تابعها المواطنون بكل أسى هو الخطر المقبلة عليه البلاد خلال الانتخابات البرلمانية التى فتح باب الترشيح لها منذ أيام والتى تنذر بتكرار مواجهات يوم الأحد الدامى فى كل أيام الأسبوع وفى جميع الدوائر الانتخابية.

تلك هى الحقيقة التى لا يجب تجاهلها، وذلك هو الخطر الأكبر الذى يواجه مصر فى الوقت الحالى.

لقد أصر المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى يتولى مسؤولية رئاسة الجمهورية فى الوقت الحالى، على إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور، وأصر على البدء بانتخابات مجلسى الشعب والشورى قبل انتخابات الرئاسة والتى لم يحدد لها موعداً حتى الآن، وحين أبدى البعض تخوفه من حالة الفوضى والانفلات الأمنى التى تعم البلاد، وما يمكن أن تفجره من صراعات خلال فترة الانتخابات، تعهد المجلس العسكرى بحفظ الأمن الذى خرج مع خروج النظام السابق ولم يعد حتى الآن، فمرة يقال إن ضباط الأمن متألمون، ومرة يقال إنهم متآمرون مع النظام السابق، وحين توجه الرأى العام إلى الجيش للقيام بهذه المهمة كان الرد أن الجيش الذى يقوم بحماية حدود البلاد الجوية والأرضية والبحرية لا يملك وسائل حفظ الأمن الداخلى وتعقب المجرمين وضبط المرور.

ومع ذلك فإن المجلس العسكرى مع تصميمه على إجراء الانتخابات النيابية قبل أن تستعد لها الأحزاب الجديدة المعبرة عن فكر الثورة، وقبل أن يستتب الأمن الداخلى تعهد بحفظ الأمن خلال العملية الانتخابية «!» لكن مع أول اختبار لمواجهة ساخنة يوم الأحد الماضى أخفقت قوات الجيش فى حفظ الأمن وضمان عدم الخروج على القانون والحفاظ على السلمية التى بدأت بها المظاهرات.

بل إن الأداء العسكرى فى تلك الموقعة غير العسكرية شابه الكثير من التخبط ما بين التهاون فى الخروج على القانون من ناحية والإفراط فى استخدام القوة من ناحية أخرى، وبدت المدرعات التى اقتحمت جموع المتظاهرين مثل ثور هائج دخل محل خزف، كما يقول المثل العالمى الشائع.

هل هذه المدرعات التى يقودها بعض الجنود الذين كانوا فى حالة نفسية سيئة من جراء ما حدث حسب ما قيل من تبرير لدهسهم بعض المواطنين، هم الذين سيحفظون الأمن فى الدوائر الانتخابية فى القاهرة وفى المحافظات؟ وما الضمانات بأن الظروف والانفعالات الشعبية التى أدت إلى هذه الحالة النفسية للجندى الجالس داخل المدرعة «الثور» لن تتكرر؟ وإذا حدثت هل سيتكرر المشهد الذى صورته كل عدسات التليفزيون الدولية فيما عدا تليفزيون السيد صفوت الشريف والسيد أنس الفقى الذى مازال على حاله منذ رحيلهما؟ إنه مشهد انطبع فى وجدان المصريين جميعاً بلون الدم القانى وبألم النار الحارقة.

إن البلاد مقبلة على أخطر مراحل فترة الفوضى التى نعيشها الآن، مرحلة تهدد بأن يتحول الانفلات الأمنى إلى مواجهات دامية تزداد حدتها مع تصاعد المنافسات الانتخابية فى وقت غابت فيه قوة الأمن عن الساحة، والآلة العسكرية غير مؤهلة للعمليات الداخلية. إن الصعيد يغلى وقد سقط فى سوهاج بعض القتلى الذين لم يلتفت إليهم الإعلام فى غمرة أحداث يوم الأحد الدامى وتوابعه، وبعض القوى السياسية المتشحة بالدين بدأت تهدد وتتوعد،

 مرة إذا ألغيت أو تأخرت الانتخابات التى تتلهف على خوضها، ومرة أخرى إذا منعت من استخدام الشعارات الدينية فى الانتخابات، وعما قريب ستهدد وتتوعد بالانتقام إذا لم يتم التصويت لمرشحيها، ومثلما لا يتصدى أحد للبلطجية المدنية فإن أحداً لا يتصدى أيضاً للبلطجية السياسية المتخفية وراء الدين.

فهل الحالة الأمنية - أو غير الأمنية - الحالية تسمح بإجراء الانتخابات وما تنطوى عليه من صراعات اعتدنا فى الظروف العادية أن تصل إلى حد استخدام العنف؟ إن تمديد حالة الطوارئ التى قام بها المجلس العسكرى هو خير إثبات بأن الحالة الأمنية فى البلاد وصلت إلى مرحلة الخطر، وأقولها صراحة إن التصميم على إجراء الانتخابات فى هذه الظروف هو بمثابة الوصفة الأكيدة لنقل البلاد من حالة الفوضى الأمنية الحالية إلى حالة المواجهات الدامية التى شهدنا مقدماتها يوم الأحد الماضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق