اخر الاخبار

19‏/10‏/2011

غرائب الانتخابات بقلم سلامة احمد سلامة

قبل يومين فقط على غلق باب الترشيح للانتخابات البرلمانية، يقف المواطن المصرى حائرا وضائعا بين تحالفات لم تصمد، وقوائم لم تكتمل، وانسحابات لم تنسحب، وأحزاب غير معترف بها، وفلول تقامر بمستقبلها، ودوائر انتخابية لم تتحدد.. وهو ما يطلق عليه أول انتخابات ديمقراطية بعد الثورة لاختيار أول برلمان ثورى لا أثر فيها للذين قاموا بالثورة!
 تمتلئ صفحات الصحف كل يوم على اختلافها بأنباء المرشحين على القوائم الفردية، وتتسابق الأحزاب والتكتلات إلى اختيار شخصيات عامة أو قيادات محلية فى الأغلب من أعيان المنطقة، أو من الحزب الوطنى المنحل. وفى كل يوم يقفز هؤلاء المرشحون من حزب إلى حزب، ومن تكتل إلى تكتل. ولا غرابة فى ذلك، فقد انهارت التحالفات والتكتلات.. انهار «التحالف الديمقراطى من أجل مصر»، الذى كان يضم نحو 40 حزبا وائتلافا سياسيا يتزعمه حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمين). ولكن سرعان ما انسحب منه حزب الوفد.. ولم يبق غير عدد محدود لا يتجاوز عشرة أحزاب. ونشب خلاف بين قيادة الوفد وأعضائه، بسبب إصرار القيادة السياسية للوفد على ضم بعض أعضاء الحزب الوطنى من الفلول إلى قوائمه، ووضع بعضهم على رأس هذه القوائم!

وبالتوازى انهار تحالف «الكتلة المصرية» بعد انسحاب حزب «مصر الحرية» احتجاجا على ضم الفلول إليه. وكذلك حزب «المصرى الديمقراطى» بسبب إصراره على الاستحواذ على معظم القوائم ووضع مرشحيه على رءوسها.
ولم تقتصر آفة الانهيار على «التحالف» و«الكتلة» بل امتدت إلى الجماعة الإسلامية التى انسحبت من التحالف، وشهدت بدورها انشقاقات داخلية.. وفى أغلب الحالات كان السبب الرئيسى هو محاولات استئثار بعض القوى الرئيسية بترشيحات رءوس القوائم. بل إن حزب الحرية والعدالة سرعان ما زاغت منه الأبصار ليعلن أنه سينافس على ستين بالمائة من المقاعد بدلا من خمسين بالمائة كما وعد!


وفى خضم هذا التضارب الحاد الذى يكشف عن نقص المناعة الديمقراطية، تشير كل الدلائل أنه سوف ينعكس على الاتفاقيات الحزبية حول القوائم وتقسيم النسب التى سيحظى بها كل حزب، لم يكن قد تم الإعلان عن جانب كبير منها حتى الآن، رغم أنها تمثل ثلثى المقاعد البرلمانية.
وبعبارة أخرى فإن الناخب قبل أيام قليلة من غلق باب الترشيح، يقف حائرا ليس فقط بين الفردى والفردى، ولكن أيضا بين القائمة والقائمة. وقد لا تكفى المدة الباقية لكى يحسم أمره.. دع عنك أن يفهم اللوغاريتمات التى تحيط بالعملية الانتخابية. فإذا أضفنا قصة الرموز الانتخابية للمرشحين وما تثيره حولها من خلافات ومنافسات، أدركنا كم سيكون الامتحان صعبا على الناخب المصرى؟



وسط كل هذه التعقيدات، تبرز مشكلة المرأة على القوائم، بسبب اشتراط القانون وجود امرأة فى قوائم الأحزاب. حيث يعتبر فريق من السلفيين ترشح المرأة للبرلمان مفسدة.. «لأنه لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة»!
وقد أصبح على الناخب المصرى أن يكون مهيأ ذهنيا ونفسيا لاستقبال غرائب الفتاوى السلفية وعجائبها، حين «يحظر على الأخوات السلفيات الاختلاط بالرجل».. وفى المؤتمر السلفى الذى انعقد فى الإسكندرية للأخوات السلفيات وحضره 2000 سيدة، وقع اختلاف شديد حول شرعية دخول المرأة البرلمان من عدمه. لأن من صلاحيات البرلمان عزل وزارة واختيار رئيس للجمهورية وتشريع القوانين.. وهو ما يعتبر ولاية منها على الرجل. ولكن حزب النور السلفى بادر إلى الإعلان بأنه سيرشح «مضطرا» عددا من السيدات على قوائم الحزب، استجابة لما اشترطه القانون بوجود امرأة على قوائم الحزب.. واعتبر ذلك من باب «الخروج على الثوابت لأجل المصلحة العامة»!
من المؤكد أننا سوف نشهد على مر الانتخابات المقبلة من الغرائب والعجائب ما سوف يسجله التاريخ الحديث لمصر فى القرن الواحد العشرين.. على أساس أنها تجربة حداثية غير مسبوقة.



وفى التجارب الديمقراطية التى سبقتنا، تتكون التحالفات الانتخابية أو السياسية بين الأحزاب لتحقيق أهداف سياسية معينة، ولكنها لا تنفض بين يوم وليلة بسبب هاجس ألم برأس أحد قياديها كما يحدث عندنا. ولكن بعد فترة زمنية وبناء على اتفاقات وبرامج مكتوبة، بقصد تشكيل بنية سياسية قوية. أما عندنا فيقفز السياسى من حزب إلى حزب ومن تحالف إلى تحالف بسبب خلاف تافه أو تمسك عنيد بالرأى. فلا تتعلم الأحزاب فضيلة الحلول الوسط، ولا تكتسب صفة الثبات.. وتصبح الانتهازية سيدة الموقف!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق