اخر الاخبار

04‏/10‏/2011

لماذا يموت الحب إكلينيكياً بعد الزواج؟ بقلم خالد منتصر

رجل يتحدث الفارسية وامرأة تتحدث العربية تحت سقف واحد، هذا هو حال مؤسسة الزواج فى معظم بيوتنا المصرية، فاللغتان مكتوبتان بنفس الحروف، لكنهما لغتان مختلفتان تماماً، الحوار مفقود والتواصل معدوم، والصمت هو سيد الموقف، والخرس الزوجى هو شعار المرحلة، وكأن الزواج جلطة تسد شرايين التواصل، وكوليسترول يترسب على جدران الود والفهم والحنان والتعاطف، فيحدث الشلل العاطفى وينتهى الأمر بأن يدخل الزواج غرفة العناية المركزة لوضعه تحت الملاحظة وتوصيله بخراطيم الأكسيجين، بالفعل هو لم يفارق الحياة، ولكنه فى مرحلة الموت الإكلينيكى، وفرق كبير بين الجسد والجثة، فالجسد نبض وحياة والجثة كفن وقبر، ورغم أن الكفن أبيض والضريح مذهب الجدران فإننا فى النهاية يلفنا صمت الموت.
«آهى عيشة والسلام».. نشيد قومى يردده الأزواج المصريون كلما سألوا عن الزواج، فهم يمارسون العيشة لا الحياة، فالعيشة هى مجرد أنفاس تدخل وتخرج، نبضات قلب تسرع وتبطئ، يتحول فيها الزوج إلى روبوت، والزوجة إلى عروسة ماريونيت، ولكن الحياة شىء آخر، هى دفء وحرارة وعنفوان وتألق وتجاوز وتفاعل واحتضان، والعيشة هى السلام الجمهورى للبيت المصرى، الزوج غارق إما فى جريدته الصباحية أو شخيره المسائى، والزوجة إما متربصة أو متلصصة أو متخصصة ولكن فى شؤون النكد الأزلى، نقل إليهما المجتمع المصرى كل أمراضه وعقده وكلاكيعه النفسية، فصار البيت مورستان، وتحولت العلاقة من علاقة مودة وسكن إلى علاقة مخدة ومكن !!

تجمعهما نفس الغرفة وتفرقهما الاهتمامات، فعندما يتحدث آدم عن مشاكل الأرشيف ومعضلات الترقيات، تريد حواء أن تتكلم فى شؤون الرومانسية وقضايا الغرام، وعندما يتلطف شهريار ويخون تراثه ليقتبس من قاموس حبه الفقير بعض كلمات العشق المفتعلة، تحكى له شهر زاد قبل سكوتها عن الكلام المباح عن تقميع البامية وتقطيف الملوخية! وعندما يقلع سى السيد عن اللعب بالذيل، تكون أمينة قد انهد لها الحيل وفاض بها الكيل ونامت قبل منتصف الليل!!

لماذا تحولت مؤسسة الزواج المصرية إلى راديو غير مضبوط الموجة، لا تسمع منه إلا شوشرة ووش دون معنى، لماذا تحول الزواج إلى مسرحية ذات نص ردىء وأبطال مزيفين وخشبة مسرح نخرها السوس وستارة مهترئة تفضح أكثر مما تستر؟!، هل فقدنا الحب؟، أعتقد أننا أكثر شعوب الأرض قاطبة حديثاً عن الحب، ولكننا أقلهم ممارسة له بجد وبصدق، الحب عندنا مثله مثل كرة القدم، لدينا أكبر جمهور وأضخم خناقات كروية وأوسع كتابات صحفية واستديوهات تحليلية عن الكرة، لكننا فعلاً لا نلعب كرة حقيقية ولا نذهب لكأس العالم إلا كل قرن مرة!! إننا فاشلون فى الحب لأننا نخاف الحميمية، علاقاتنا أصبحت هامشية وسطحية، دون عمق، دون نفاذ، دون تغلغل، الزواج لم يعد مرآة الحب كما يقال، فالمرايا صارت كمرايا الملاهى نشاهد فيها بلياتشو وأحياناً نشاهد مسخاً، وكثيراً ما نطلق وصف علاقة مستقرة على هذا النمط من الزواج، وفى معظم الأحيان هى ليست بالمستقرة ولكنها ساكنة سكون الموت، أو سكون ما قبل انطلاق الحمم من البركان، إنه قهر اللاتواصل وحوار الطرشان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق