اخر الاخبار

11‏/10‏/2011

استهتار أم غفلة؟ بقلم د. حسن نافع

يرتكب المجلس الأعلى للقوات المسلحة خطأ كبيراً، قد يصل إلى حد الخطيئة، إن هو تعامل مع الأحداث التى وقعت أمام ماسبيرو مساء الأحد الماضى بنفس الطريقة التى تعامل بها حتى الآن مع ما اصطلح على تسميته «أحداث الفتنة الطائفية». فحين تسيل الدماء بهذه الغزارة، ويصبح القتلى والجرحى بالعشرات، وتحرق مدرعات الجيش وعربات الشرطة، لابد من وقفة جادة لمراجعة الأوضاع قبل أن يفلت الزمام ويبدأ الجميع فى عض أصابع الندم.

 وقد تعمدت أن أتوجه بخطابى إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وليس إلى الحكومة، وذلك لسببين رئيسيين، الأول: أنه الجهة المسؤولة رسمياً عن الإدارة السياسية للدولة والمجتمع فى هذه المرحلة التاريخية الحساسة، ولديه سلطة مطلقة يمارسها بلا أدنى رقابة من أى جهة أو مؤسسة أخرى رسمية أو شعبية، وبوسعه اتخاذ أى إجراء يراه لمعالجة الموقف، بما فى ذلك إقالة الحكومة أو أى مسؤول فيها إن رأى لذلك ضرورة أو حاجة.

لن يجدى كثيراً فى لحظات حرجة كهذه إعادة اجترار جدل تقليدى، أظن أنه بات عقيماً، بحثاً عن صاحب المصلحة فيما جرى من تصعيد، ولن أكرر هنا ما سبق أن طالبت به مرارا وتكرارا حول ضرورة التخلى عن نهج «الطبطبة وتقبيل اللحى» واستبداله بنهج حازم لمحاكمة كل الخارجين على القانون، أيا كانت هوياتهم، ومعاقبة كل المهملين فى أداء واجباتهم، أيا كانت مواقعهم الوظيفية، فقد بات الوضع يتطلب نظرة جديدة على ما يجرى أكثر عمقاً.

لذا أعتقد أنه لن يكون من الملائم رؤية ما حدث فى نفس السياق الضيق لملف الفتنة الطائفية، حيث اعتدنا أن ننظر إلى كل حدث باعتباره ورقة جديدة تضاف إلى صفحاته المكتظة، وإنما يتعين فهمه فى السياق الأوسع لملف المستقبل المصرى بعد ثورة يناير. ولأن فى مصر الآن ملفات أخرى كثيرة، تضاف إلى ملف الفتنة الطائفية المشتعل، منها: ملف الأمن الذى لا يزال غائبا رغم الحاجة المجتمعية الماسة إليه، وملف المطالب الفئوية الذى لم يعالج بعد معالجة جادة رغم مشروعية معظم مطالبه، والملف السياسى، خصوصاً ما يتعلق منه بالجدول الزمنى بتسليم السلطة، والذى يزداد ضبابية وتعقيداً كل يوم، ولأنها جميعا ملفات مترابطة، فما لم تعالج كلها كحزمة واحدة فلن ننجح فى معالجة أى منها على الإطلاق.

لذا أقترح أن يشرع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى اتخاذ الإجراءات التالية فورا:

 ١- إقالة محافظ أسوان الذى تصرف فى الأزمة الراهنة بطريقة غير مسؤولة تسىء للحكومة وللدولة المصرية معا.

 ٢- الإسراع فى إعلان الحدين الأدنى والأعلى للأجور والبدء فى تطبيقهما فى أقرب وقت ممكن. ٣

- الالتزام بموعد نهائى لتسليم السلطة إلى مؤسسات مدنية منتخبة لا يتجاوز نهاية شهر يونيو المقبل.

 ٤- إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة قوية، مستقلة ومحايدة، تطرح جدولا زمنيا يتضمن مواعيد محددة وملزمة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، يستحسن أن تتم بناء على دستور واضح المعالم حتى ولو كان مؤقتا.

أدرك أن اتخاذ إجراءات على هذا المستوى يتطلب بصيرة نافذة ورؤية تخرج عن الدروب المألوفة، وهو ما أطالب به تحديداً. وبوسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إن صدقت النوايا حقاً، أن يصدر إعلاناً دستورياً جديداً، مدروسا بدقة أكبر هذه المرة، يتبنى فكرة تشكيل هيئة تأسيسية وطنية تكلف بصياغة دستور جديد خلال فترة لا تتجاوز شهرين، على أن تجرى انتخابات برلمانية اعتبارا من أول يناير، ولكن بدون مجلس شورى، أو نسبة ٥٠% من المقاعد للعمال والفلاحين، وانتخابات رئاسية اعتباراً من أول أبريل أو مايو المقبل على أكثر تقدير، وأن تسلم السلطة إلى المؤسسات المنتخبة يوم ١ يوليو القادم على أكثر تقدير. حينئذ يمكن للمؤسسات المنتخبة أن تشرع فى تنفيذ برامجها وسياساتها، بما فى ذلك تعديل الدستور نفسه وفقا للإجراءات المنصوص عليها فى الدستور نفسه، إن لزم الأمر.

إذا طلب المجلس الأعلى من شعب مصر، بعد أن يلزم نفسه بجدول زمنى بهذا القدر من الوضوح، وقف كل أشكال التظاهر والاحتجاج ومنح الحكومة الجديدة ما تحتاجه من وقت وهدوء لتنفيذ تكليفاته، أعتقد أنه سيرحب تماماً وسيظهر تعاوناً كاملاً. أما إذا استمرت الأمور تسير على النهج نفسه الذى يتسم إما بالاستهتار أو بالغفلة، فنحن مقدمون على كارثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق