اخر الاخبار

12‏/03‏/2012

سلبيات انتخابات الرئاسة بقلم ضياء رشوان


ماذا يحدث اليوم فى مصر فيما يخص انتخابات رئاسة الجمهورية؟ هل هناك بالفعل مرشح أو مرشحون تم التوافق بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين حوله أو حولهم؟ هل ستقوم الأحزاب والتيارات السلفية بتأييد أحد المرشحين الإسلاميين، أم أنها سوف تنقسم حول المرشح الأمثل بالنسبة لها وستتفتت أصواتها بين هؤلاء المرشحين ويذهب بعضها إلى مرشحين غير إسلاميين؟ هل ستحدث مفاجآت فى اللحظات الأخيرة قبل إغلاق باب الترشح فينسحب بعض المرشحين لصالح آخرين بينما يغير البعض الآخر مواقعهم من مرشحين لمنصب الرئاسة إلى مرشحين لمنصب نائب الرئيس مع مرشح آخر؟ كل هذه أسئلة من فيض أكبر من أسئلة لا تنتهى حول انتخابات الرئاسة لا يتوقف المواطنون والنخبة عن طرحها منذ أن دخلت عملية انتخابات الرئاسة إلى مرحلة الجدية والتطبيق العملى. ولعل السؤال الأبرز والأهم والأكثر تردداً بين عموم الناس ونخبتهم الذى يتبادلونه كلما فُتح الحديث حول انتخابات الرئاسة هو: من ستنتخب من بين المرشحين الحاليين للرئاسة؟



إن كل هذه الأسئلة وغيرها مما يدور فى الساحة المصرية السياسية اليوم هى نتاج طبيعى يجب ألا نفزع منه أو نخشاه لحالة جديدة لم تعتدها مصر فيما يخص اختيار شاغل المنصب الأعلى والأرفع فى البلاد، فنحن اليوم أمام المرة الأولى التى يختار فيها المصريون رئيس بلادهم بأصواتهم الحرة، وبدون اختيار من مورث أو من مزور.


ولهذا فإن ترافق أول انتخابات رئاسية حقيقية فى تاريخ مصر الحديث مع كل هذا اللغط وهذا الاضطراب ومعهما كل هذه الأسئلة وغيرها، هو أمر طبيعى لأن الناس لم يعتادوا من قبل أن يمتلكوا الحرية الكاملة فى الترشح والحرية الكاملة فى الانتخاب والاختيار. وهو كذلك أمر طبيعى فى مجتمع لم يعتد اختيار رئيسه الأعلى بالانتخاب الحر وتعود على أن تختاره له جهات لا يعرفها أو لا يقربها، أن تسود وتنتشر تساؤلات وشكوك حول وجود جهات سياسية أو حزبية تسعى من وراء الستار، كما كانت العادة قديماً، أن تفرض عليه مرشحاً تختاره هى ويقتصر دور المواطنين على إقراره.


إن الوضع اليوم فى انتخابات الرئاسة هو أبعد ما يكون عن الوضع الطبيعى لمثل هذه الانتخابات فى دول مر عليها زمن طويل واكتسبت خبرات ثابتة فيما يخص الانتخابات الرئاسية الحرة، حيث لا يوجد شىء مخفى فى الكواليس، وتبدو كل الأمور واضحة وعلنية أمام المجتمع كله الذى من حقه أن يعرف كل التفاصيل ولا يستطيع أو يجرؤ أى طرف سياسى على إخفاء أى شىء عنه. فى ظل هذا الوضع الاستثنائى الذى تمر به مصر حالياً فى أول انتخابات حقيقية للرئاسة يبدو طبيعياً أن تتسم بعدة سمات ستكون على الأرجح مرحلية وملازمة لهذه الانتخابات ولكنها سوف تبدأ فى الزوال والتغير مع الانتخابات الرئاسية التالية والتى ستتلوها.


وأولى هذه السمات هى كثرة عدد المرشحين الذين أعلنوا حتى اللحظة عن نيتهم الترشح بغض النظر عن فرصهم الحقيقية فى النجاح أو حتى توفير شروط الترشح القانونية بالنسبة لبعضهم. فمن الطبيعى فى أول ممارسة حقيقية للحرية فى الترشح للمنصب الرئاسى فى بلادنا أن يسعى أكبر عدد من المواطنين لاستخدام حقهم الدستورى فى الترشح بغض النظر عن فرصهم الحقيقية تأكيداً منهم على هذه الحرية المنتزعة، وأن يروا فى ترشحهم تأكيداً عملياً على ممارسة هذه الحرية دون أن يغرق البعض منهم نفسه فى حسابات انتخابية أو سياسية معقدة. ومن الطبيعى فى ظل هذا الحماس للمشاركة وممارسة الحرية المنتزعة أن يكون جزء من الترشيحات للرئاسة هو بمثابة «اختبار» يقوم به بعض المرشحين لمدى جدية هذه الممارسة وحقيقة استقرارها فى مصر بعد الثورة، وهو الأمر الذى تكرر فى حالة أمم أخرى أثناء مراحل تحولها من النظم الاستبدادية إلى نظم حرة ديمقراطية.


وأما السمة الثانية فهى عدم اتفاق أى تيار سياسى، إسلامى أو ليبرالى أو قومى أو يسارى، بمختلف مكوناته الحزبية والسياسية على مرشح واحد، فكل تيار منها له عدد من المرشحين الذين يتنافسون فيما بينهم ومع مرشحى التيارات الأخرى على الحصول على المنصب الأسمى فى النظام السياسى.


ويؤكد هذا التعدد فى مرشحى التيار السياسى الواحد لانتخابات الرئاسة أن هذه التيارات جميعها وبدون استثناء لم تستقر بعد داخلياً على برامجها السياسية التفصيلية التى ستقود بها البلاد فى حالة حصولها على الأغلبية والحكم فيها، وأنها لاتزال فى مرحلة التبلور والتطور التى ستأخذ وقتاً حتى تستقر مكوناتها الداخلية وتتضح اختلافاتها التى تبدو اليوم صغيرة بما يسفر عن خريطة جديدة للقوى السياسية والحزبية فى مصر. ومن جانب آخر مكمل لهذا المعنى يؤكد ترشح عدد من المرشحين من نفس التيار السياسى أن الدوافع الشخصية والخاصة لاتزال موجودة فى الحياة السياسية المصرية، وأن قيام التجربة الحزبية الجديدة لم يلغ ولم يحل دون أن تتقدم المعايير الشخصية على الانتماءات السياسية فى اتخاذ بعض من القرارات السياسية المهمة مثل الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.


أما السمة الثالثة والأخطر فهى أنه بالرغم من اشتراك عديد من المرشحين فى الانتماء السياسى العام وفى التوجهات الفكرية وفى المواقف السياسية وفى الخبرة التاريخية، فإن خطوط الاتصال والحوار السياسى تبدو منقطعة بينهم إلى حد كبير، ويقتصر الأمر على تعليقات إعلامية يقوم بها بعضهم على ما يعلنه البعض الآخر فى حملته أو تصريحاته.


فلم نسمع أو نقرأ عن حوار مباشر أو اجتماعات ضيقة أو موسعة علنية أو سرية تمت بين مرشحى الرئاسة أو بعضهم سواء لتنسيق مواقفهم تجاه الترشح أو لتبنى مواقف مشتركة تجاه بعض القضايا الخطيرة والحساسة التى تمر بها مصر فى انتقالها من الثورة إلى الدولة. ويعنى هذا أن الإصرار لايزال قائماً على العمل شبه الفردى شبه الشخصى فيما يخص السعى لشغل أهم وأعلى منصب سياسى فى النظام الجديد القادم فى البلاد.


إن انتخابات الرئاسة حتى اللحظة لا تبدو فى ملامحها وسماتها التى ذكرنا بعضها أنها الأقرب إلى ما كان المصريون يطمحون إليه بعد ثورتهم العظيمة، وأنها تحتوى على بعض من السلبيات الخطيرة التى يقع العبء فيها على الجميع، وفى مقدمتهم المرشحون والأحزاب السياسية، فى السعى السريع لتصحيحها والتخلص من القسم الأكثر سلبية منها فى أسرع وقت ممكن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق