اخر الاخبار

12‏/03‏/2012

الدولة المفلسة بقلم د. عمرو الشوبكي


تركة مبارك ثقيلة بكل معنى الكلمة وخطورتها كما سبق أن كررنا أنها تحتاج إلى جهود جبارة لتفكيكها، ليس فقط أو أساساً بسبب استبدادها السياسى، الذى كان أقل من استبداد نظم عربية أخرى، إنما بسبب تغييب كفاءات الدولة وتخريب التعليم والصحة والإعلام والأمن والمواصلات والزراعة والصناعة، بحيث من المستحيل أن تتحدث عن إصلاح حقيقى لهذا البلد دون تدخل جراحى يفكك تركة «مبارك» فى الإدارة والسياسة.



إن الدولة المفلسة التى تركها مبارك ليست فقط بالمعنى الاقتصادى، إنما هى نتيجة تجريف شامل أصاب العقول والنخب بحيث بات من الصعب أن تجد رجل دولة أو سياسياً لم يمر على عهد مبارك إلا وأصابه قليل أو كثير من صفاته، فبقاؤه ٣٠ سنة فى السلطة معناه العملى أن كثيراً من كوادر الدولة المصرية التى ورثها من عهدى عبدالناصر والسادات قد أصابه انهيار حقيقى جراء التهميش أو المعايير الفاسدة التى وضعها لتصعيد أى منها، كالجهل والاستعداد للفساد أو النفاق.


هذا على عكس ما جرى فى فترات سابقة، فهناك أسماء لمعت فى عهد عبدالناصر وأيدت النظام وحافظت على كفاءتها وعطائها، وكانت مصر لحظة تنحى عبدالناصر عن السلطة، بعد هزيمة ٦٧، مليئة بالكوادر والكفاءات القادرة على حكم البلاد، واستمر الأمر، ولو بصورة أقل، فى عهد السادات، فمصر كان بها من الأسماء اللامعة فى عالم الفكر والسياسة ما كان يسمح لها بقيادة تحول سياسى حقيقى نحو الديمقراطية، وفكر السادات فى لحظة أن يعطى فرصة لمنصور حسن - أحد ألمع وزرائه فى ذلك الوقت - لقياده البلاد لكنه فى النهاية اختار رجلاً لا لون له، معدوم الرؤية السياسية كحسنى مبارك ليحكم البلاد ٣٠ عاماً.


ولذا لا يبدو غريباً أن مصر لم تجد لحظة تنحى مبارك شخصية واحدة من داخل الدولة لديها مصداقية وقبول فى الشارع تصلح لقيادة البلاد كما كان فى عهد عبدالناصر، وكما لاحت الفرصة فى عهد السادات، فالإفلاس والتصحر الذى أصاب المنظومة السياسية طوال هذا العهد كبير، فلا يوجد وزير، إلا من رحم ربى، يتذكره الناس بالخير طوال هذا العهد، وحتى من دخلوا وزارات مبارك وخلفهم تاريخ من الإنجازات العلمية فقدوه مع حجم النفاق وسوء الأداء الذين وقعوا فيهما طوال حكم اهتم بالشكليات وتوافه الأمور وتعامل مع المشاكل بالمسكنات حتى تحولت إلى مصائب وإرث نحتاج للكثير لكى نخرج منه.


إن تركة «مبارك» ليست مثل تركة عبدالناصر والسادات، وليست أيضا مثل تركة النظام الملكى، إنما هى تركة من نوع فريد خربت، دون غيرها، مؤسسات هذا البلد وجعلت وجود الأكفاء والمهنيين عملة نادرة، والسياسيين المخلصين عملة أندر.


إن معضلة الوضع الحالى أننا أمام دولة مفلسة فى كوادرها وتحتاج إلى قيادات من خارجها ومن داخلها لتضع «كتالوج» جديداً لإعادة بنائها، وشرط النجاح أن يعاد البناء على أساس المهنية والكفاءة وليس الحزبية، فالدولة لن تُبنى بالمحاصصة وسياسة تقسيم الكعكة بين الأطراف السياسية، كما جرى فى دول أخرى أزالت فشلاً بآخر، إنما بقواعد مهنية شفافة توضع من أجل التقدم إلى الإمام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق