اخر الاخبار

16‏/03‏/2012

نحو مصالحة وطنية بقلم منى مكرم عبيد


الذى يتابع المشهد السياسى الراهن يجد الحديث عن الجمعية التأسيسية للدستور هو الشغل الشاغل للتيارات السياسية المختلفة، وهو موضوع محل جدل وخلاف وصل صداه للرأى العام عبر وسائل الإعلام، سواء فى تشكيل أعضاء الجمعية التأسيسية وهل سيكونون من بين أعضاء البرلمان أم يكتفى نواب الشعب بترشيحهم، بشرط ألا ينضم أى نائب لعضوية الجمعية التأسيسية؟ وهناك خلاف آخر حول تفاصيل مواد الدستور وشكل وملامح الدولة ونظامها السياسى وهل سيكون نظاماً برلمانياً أم رئاسياً أو نظاماً
يجمع بين النظامين، وفوق كل هذا وذاك ما هى صلاحيات ومهام الرئيس الجديد فى ذلك الدستور الذى يكتب عهداً جديداً لمصر ما بعد الثورة، فالبعض يرى أن الدستور الجديد لابد أن يعمل على تكوين نظام مختلط، تكون فيه صلاحيات الرئيس موزعة بينه وبين رئيس الحكومة، أما الفريق الآخر فيرى ضرورة أن ينص الدستور الجديد على نظام برلمانى يكون فيه رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلى للبلاد، ويتم اختيار رئيس الوزراء من بين الحزب الذى حصد أغلبية الأصوات فى الانتخابات البرلمانية، وهو ما سيرسخ فى ذهنه مبدأ أن المواطن دائما على حق، وسيحسب ألف حساب لصندوق الانتخابات الذى جاء به إلى منصب رئيس الحكومة.


وإذا كان خطاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة لرئيس مجلس الشعب قد دعا لانتخاب الجمعية التأسيسية التى تتولى إعداد مشروع دستور جديد للبلاد، وفقا لأحكام المادة ٦٠ من الإعلان الدستورى، وقد كانت استجابة البرلمان بمختلف تياراته سريعة لهذا الطلب والعمل على سرعة إنجازه، ففى هذا السياق لا يفوتنى أن أشير إلى تصريحات الدكتور محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة، وتأكيده أن الحزب «وهو الجناح السياسى لجماعة الإخوان» حريص على مشاركة كل الفئات والهيئات والأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية فى الجمعية التأسيسية للدستور الجديد، معبرا عن الشعب المصرى بمختلف توجهاته، وفى اعتقادى أن هذا التصريح يصب فى قضية المصالحة الوطنية، التى تحدثنا عنها فى المقالات السابقة، وتعنى أن المشاركة وليست المغالبة والاستئثار بالسلطة هى ما نريده من الأغلبية التى نالت ثقة الناخبين.


وفى رأيى أن اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور الجديد لابد أن يشمل المرأة، التى ظلمت كثيراً فى تمثيلها الضعيف داخل مجلسى الشعب والشورى، وفى الهيئات القيادية للأحزاب السياسية وفى مناصب المحافظين، وقد آن الأوان لاختيار عدد من الشخصيات النسائية القانونية والسياسية البارزة التى قدمت الكثير - ولاتزال - للوطن على المستويين المحلى والعالمى، ومنهن شخصيات تتمتع بقبول لدى الأوساط السياسية والتيارات المختلفة، سواء كانت ليبرالية أم إسلامية وحتى اليسارية والقومية، لما تحظى به تلك الشخصيات النسائية من رصيد وطنى وتاريخ سياسى وخبرة وكفاءة أشادت بها الهيئات الإقليمية والدولية. وأرى أنه من الأجدر أن تنلن المواقع التى تستحقها فى خدمة الوطن.


وفى اعتقادى أن الدستور الجديد ينبغى أن يتضمن صلاحيات أكبر للغرفة الثانية من البرلمان «مجلس الشورى» ليعود إلى سابق عهده ومجده قبل ثورة ٢٣ يوليو فى الفترة الليبرالية الذهبية لمصر، حين كان يسمى «مجلس الشيوخ». وأرى أن زيادة صلاحيات مجلس الشورى من شأنها أن تحقق التوازن فى الأداء للمؤسسة البرلمانية، خاصة أنه يضم كفاءات علمية تحتاج إليها البلاد فى المرحلة الحالية.


ومما لا شك فيه أن وضع حرية الصحافة فى الدستور الجديد أمر بالغ الأهمية، خصوصا بعد مطالبة الكثير من الإعلاميين والسياسيين بإعادة هيكلة الإعلام المصرى، وتطهيره من عهود الفساد والاستبداد، وهو أحد المطالب التى قامت من أجلها ثورة ٢٥ يناير بعد أن تحول هذا الإعلام الحكومى إلى أبواق تتحدث باسم النظام السابق، وتدافع عن آرائه ومصالحه، وتهاجم معارضيه. ويحدد الدستور شكل وآليات ملكية الصحف وحرية الإصدار وحرية تداول المعلومات وغيرها من التشريعات التى تضمن وجود صحافة حرة ومسؤولة فى البلاد.


وأقترح أيضا أن ينص الدستور الجديد على الالتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وما جاء فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الدستور، ولا يجوز إصدار أى تشريعات تخالف هذه الاتفاقيات والحقوق المنصوصة عليها فيها، مثل الحق فى السكن، والحق فى العمل، والحق فى التعليم، وحتى الحق فى السعادة وضمان جودته، بالإضافة إلى الحق فى الصحة والعلاج.


وفى سبيل ذلك أوصى بتعيين مفوضية عليا لحقوق الإنسان، وهى تختلف فى دورها ومهامها عن المجلس القومى لحقوق الإنسان، فمهمة المفوضية العليا أن تكون مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية وتضطلع بالرقابة والمتابعة والضبطية القضائية وليس الاستشارة فقط، لأوضاع وانتهاكات حقوق الإنسان، والعمل على احترام جميع المواثيق والقوانين المحلية والدولية، ومحاسبة المخالفين لها، وأيضا لا تشكل فى البرلمان ديوان المظالم المعمول به فى دول عديدة.


وإذا كان من أولويات الدستور الجديد التأكيد على حقوق الفئات التى همشت فى النظام السابق، خاصة المرأة والأقباط، وهما قضيتان تحتاجان إفراد مساحات أوسع وأشمل للحديث عن حقوقهما الضائعة، فلا ينبغى تجاهل حقوق المصريين فى الخارج، الذين قامت نهضة أمم عظيمة عليهم مثل الصين والهند، وهما تجربتان تستحقان استلهامهما فى جذب الأشخاص أولاً: حيث خبرتهما العلمية العالية للاستثمارات وزيادة الإنتاج والبناء والتنمية فى مراحل ما بعد الحروب والتحولات الديمقراطية.


ولا يسعنى فى مقام الحديث عن الدستور الجديد الذى أراه عاملاً مهماً فى إنجاح المصالحة الوطنية بين جميع التيارات السياسية، على أسس احتفاظ كل طرف بثوابته ومعتقداته، دون الذوبان فى أفكار الطرف الآخر ووضع القضايا المشتركة لبناء الوطن ونهضته وتحقيق مطالب ثورة ٢٥ يناير فى الحرية والعدالة والديمقراطية، على أجندة عمل الرئيس المنتخب وحكومته القادمة إلا أن أختم بذلك تلك السلسلة من المقالات عن المصالحة الوطنية، بما قاله زعيم سنغافورة العظيم، صانع معجزتها «لى كوان يو»، صاحب الرؤية المستقبلية والثقة فى الشباب:


«لم يكن أمامنا إلا أن نبدأ بالسياحة، ما أدى إلى نجاح جزئى لكنه غير كاف للقضاء على البطالة. فكان من الطبيعى ألا تقتصر خططنا على جانب واحد من الاقتصاد، لذا شجعنا على بناء المصانع الصغيرة، خصوصا مصانع تجميع المنتجات الأجنبية، على أمل أن نبدأ بتصنيع بعض قطعها محليا، وعرفنا الكثير من الفشل، سواء لنقص الخبرة أو لعدم الحصول على الاستشارات الصحيحة. وكلفنا ذلك الفشل غاليا، لكننا استفدنا من الدروس المكتسبة وعملنا لئلا نقع فى الخطأ مرتين».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق