اخر الاخبار

18‏/03‏/2012

حزب مدنى كبير ضرورة وطنية بقلم د. محمد أبوالغار


جاءت نتيجة الانتخابات النيابية فى مصر بأغلبية إسلامية كبيرة تقارب ٧٥%، وبالرغم من التجاوزات التى قامت بها القوى الإسلامية فى الدعاية الانتخابية، وأثناء عملية التصويت داخل وخارج اللجان، وبالرغم من النعرة الطائفية شديدة الخطورة، التى كانت واضحة فى كل مصر فى الدعاية الإسلامية ضد كل القوى المدنية، فإن كل ذلك ربما يكون قد أضاف إلى نصيب القوى الإسلامية حوالى ١٠% من الأصوات، ويعنى أنه حتى لو كانت الأحزاب الإسلامية قد خاضت الانتخابات دون كل هذه التجاوزات ودون استخدام الدين والطائفية، لكانت قد حصلت على أغلبية واضحة، لكن ليس بهذا الحجم.

أما الأحزاب المدنية التى تكونت من تحالف «الكتلة المصرية» وتحالف «الثورة مستمرة» وحزب «الوفد» وبعض الأحزاب المدنية الأخرى والمستقلين، فقد حققت نجاحات محدودة بما يقرب من ٢٥% من مقاعد البرلمان، وإذا نظرنا إلى نسبة الأصوات التى حصلت عليها القوى المدنية نراها تتعدى ذلك وتصل إلى حوالى من ٤٠٪، لكن ذلك لم يمثل بنفس الدرجة فى مقاعد البرلمان، لأن هذه القوى المدنية لم تحصل على مقاعد فردية إلا نادراً، وفى مناطق ذات طبيعة سكانية لها مواصفات خاصة.
هذا يعنى بوضوح أن التيار المدنى فى الشارع المصرى أكبر من حجمه فى البرلمان، وأن هذا التيار يفتقد إلى الوحدة والتنظيم والدعم المالى الكافى مقارنة بالأموال الهائلة التى صرفتها الأحزاب الدينية فى الانتخابات، وعدم وجود شخصية كاريزمية فى سن مناسبة يمكنها أن تجمع هذه القوى وتوحدها تحت راية واحدة.
وهذا يشير بوضوح إلى أهمية حزب مدنى واحد كبير.. أثبت التاريخ أن حزباً مدنياً كبيراً مثل حزب «الوفد» القديم استطاع بسهولة أن يجمع تيار الرأسمالية المصرية وأصحاب الأراضى فى يمين الحزب والتيار الذى ينادى بالعدالة الاجتماعية على يسار «الوفد»، واستطاع «الوفد» بسهولة أن يكون حزب كل الأقباط المصريين الذين لعبوا فيه دوراً كبيراً على مستوى الشارع ومستوى القيادة، وأدى ذلك إلى نجاح الأقباط فى البرلمان بسهولة، لأن الشعب كان ينتخب مرشح «الوفد»، وليس الانتخاب على الهوية الدينية، كما يفعل الكثيرون الآن، ووسط هؤلاء كان «الوفد» المصرى فيه تيار وسطى كبير من المهنيين والحرفيين والمثقفين.
هذا الحزب الذى نتمناه يمكن أن يكون وعاء جاذباً لكل المسلمين الملتزمين، الذين لا يرغبون ولا يؤمنون بالانتماء إلى حزب إسلامى، وهم بالملايين فى مصر، وبهذه الطريقة يمكن أن يكون هناك سد مانع أمام الفتنة الطائفية التى أثارتها أفكار بعض المتطرفين طوال الوقت، ونحن نعرف أن «الوفد» القديم، الذى لم يفرق بين مسلم ومسيحى، وكان سكرتيره العام لفترات طويلة مكرم عبيد، ثم إبراهيم فرج، وكان رئيسه مصطفى النحاس مسلماً متديناً، وكان الدستور الذى وضعه الشعب بقيادة «الوفد» ينص على أن مصر دولة مدنية لها مرجعية إسلامية، والشريعة الإسلامية مصدر أساسى فى التشريع، ولم يحدث فيه أى نوع من التفرقة على أساس الدين عبر سنوات طويلة داخل هذا الحزب أو الحكومات المتعاقبة التى شارك فيها.. هذا الحزب الكبير يجب أن يحترم الدين الذى هو جزء لا يتجزأ من كيان الشخصية المصرية منذ قديم الأزل.
هذا الحزب الكبير قادر بمجهود وفلسفة واضحة أن يقنع الشعب بشعار العدالة الاجتماعية، وأن يقنعه بدرجة أخرى بأهمية مدنية الدولة، التى تعنى ببساطة أن كل المصريين متساوون فى الحقوق والواجبات، وأن مدنية الدولة ليست ضد الدين، وإنما تعنى أنها ضد الدولة العسكرية.
نعلم جميعاً أن هذا الحزب الكبير سوف يلاقى صعوبات فى التكوين، منها: أن ضم كيانات حزبية جاهزة ليس سهلاً، لأن هناك فروقاً أيديولوجية بين الأحزاب، وهناك فروق مادية فى القدرة على الإنفاق، والحل فى هذا الأمر أن يندمج الجميع، مع السماح بتيارات سياسية داخل الحزب تلتزم بمبادئ الدولة المدنية وبقواعد الديمقراطية، والمشكلة الثانية هى احتمال تناحر بعض القيادات الحزبية للحصول على مناصب رفيعة، وسوف يكون من الصعب إرضاء جميع الأطراف.
حتى ينجح هذا الحزب ويكون مثلاً لكل المصريين يجب أن يسعى الجميع لضم كل المفكرين وأصحاب الرأى، الذين لهم تواجد فى الشارع المصرى والناس تحترمهم وتقدرهم، هؤلاء دائماً يبتعدون عن الحزبية، لأنهم لا يثقون فى التجربة الحزبية فى مصر خلال عدة عقود، وهم يريدون أن يحتفظوا باستقلاليتهم، لكن هذا الحزب الكبير سوف يعطيهم ذلك الحيز من استقلال الرأى، وكذلك الثقة فى مصداقية الحزب.
تبقى مشكلة كل المنتمين إلى التيار المدنى من اليمين إلى اليسار، أن هذا التيار يؤكد على الديمقراطية والمشكلة أن هذه الشخصيات الرائعة لإيمانها الشديد بالديمقراطية، لا يمكنها أن تتخذ قرارات بسهولة، لأنها تناقش وتختلف وتفكر وتعيد التفكير، وقد يستقيل بعضها لاختلاف فى الرأى بعكس الأحزاب الدينية، التى لديها مفهوم مختلف للديمقراطية، والتى تأتى فيها القرارات موجهة من القيادة ويتم قبولها بسهولة من كل المستويات الأخرى، ومن يعارض يلفظ خارج التنظيم للأبد.
وأخيراً.. هذا الحزب المدنى الديمقراطى الكبير أصبح ضرورة وطنية للحفاظ على مصر بتاريخها العظيم والحفاظ على روح الوطن المتمثلة فى الحرية والفن والإبداع، والتأكيد على أن مصر بلد متنوع وهذا سر قوتها، هذا الحزب سوف يكون له مريدون وأعضاء أكثر مما نتصور، بشرط أن يثق الناس فيه وفى قيادته، وأن يلتزم بالديمقراطية، وأن نتخلى جميعاً عن الأنانية ونفكر فى وطن أجمل وأرحب وأوسع.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق