اخر الاخبار

01‏/03‏/2012

هوامش حول الانتخابات الرئاسية بقلم مصطفى الفقى

تستحوذ الانتخابات الرئاسية القادمة على أكبر قدر من الاهتمام فى تاريخ البلاد، أولاً: لأنها جاءت فى أعقاب ثورة شعبية كبرى، ثانياً: لأنها تأتى فى مناخ صعب من الناحيتين السياسية والأمنية، وثالثاً: لأن عدد المرشحين المحتملين حتى الآن يبدو كبيرًا بالنسبة للفترة الزمنية الباقية، وواقع الأمر أن هذه الانتخابات يمكن أن تكون هى التتويج الحقيقى لنضال المواطن المصرى فى السنوات الأخيرة، ويهمنى هنا أن أبدى بعض الملاحظات:أولاً: إن مسألة المرشح المحتمل لا تعنى تعبيرًا صحيحًا عن حيوية المرحلة الحالية، كما لا تعبر عن زخم حقيقى فى الحياة السياسية المصرية، فأنا ألاحظ أن كثيرًا من المرشحين المحتملين يدخلون السباق، من أجل بعض الإعلام الشخصى، والتلميع الدعائى بأكثر الطرق وأقل التكاليف، فلقد فطن البعض لذلك فهرع يعلن نفسه مرشحًا محتملاً جديدًا لذلك المنصب الرفيع، ولن يكلفه الأمر فى البداية إلا خبرًا فى إحدى الصحف، ويتولى الإعلام الذى يرصد كل صغيرة وكبيرة الأمر بعد ذلك، لكى يكون مادة للإثارة، أو سببًا فى تحريك الرأى العام بشكل مختلف، ولابد أن نعترف هنا صراحة بأن الإعلام المصرى قد مارس فى الشهور الأخيرة دورًا لا يخلو من المبالغة أحيانًا والتحريف للحقائق أحيانًا أخرى، ولا أقصد بذلك الإعلام المكتوب وحده، لكنى أشير بوضوح إلى ما قامت به الفضائيات وبرامج الحوار فيها من تأثير خطير على العقل المصرى فى هذه المرحلة.

ثانيًا: لقد لاحظت أن بعض محاولات الترشيح المحتمل إنما تستهدف عملية غسيل الأشخاص، بسبب المواقف السياسية، التى قد تختلف عن الثورة والثوار، فضلاً عن محاولة إعطاء انطباع بأن المرشح المحتمل يرقى إلى مستوى الجلوس فى «سدة الحكم»، وهو أمر يدعو إلى الدهشة أحياناً، لأن الكثيرين لا يدركون أوزانهم الحقيقية، كما أنهم لا يعرفون جيدًا مسؤوليات الحكم وأعباء المنصب الأول فى البلاد، ويتحدث كل مرشح محتمل عن ضخامة حجم مؤيديه، وإلحاح من حوله كى يكون هو المرشح لهذا المنصب الرفيع، ونسى هؤلاء أو تناسوا أن شعبنا الطيب قد تعود على المجاملة الزائدة، بل النفاق الذى لا مبرر له بحيث تجد المواطن الواحد يعطى تأييده لكل من يصادفه من المرشحين المحتملين، وهكذا يبنى بعض المتقدمين لكرسى الرئاسة حساباتهم على طموحات زائفة ووعود كاذبة إلى جانب تأييد مظهرى لا يخلو من الرياء والادعاء والمبالغة.

ثالثًا: إن تعبير «المرشح التوافقى» يسىء مباشرة لروح الثورة الجديدة، ويضرب الديمقراطية فى مقتل، بل هو عودة مباشرة إلى عصر الاستفتاء على شخص رئيس واحد يدور الباقون فى فلكه كنوع من الديكور السياسى، ولذلك فالكلمة تعنى فرض الوصاية على إرادة الجماهير، وتطبيق نظرية القطيع على شعب بأكمله، وقد يقول قائل إنه ليس هناك ما يجبر الناخب على التصويت للمرشح «التوافقى»، فهو حر الإرادة فى النهاية، والإجابة العاجلة هنا أن مجرد الحديث عن مرشح «توافقى» إنما يوجه رسالة للبسطاء وذوى الحظوظ المحدودة من التعليم والثقافة- وما أكثرهم- كى يتوهموا أن ذلك المرشح «التوافقى» يجسد المصلحة العليا للبلاد، وأنه الرئيس القادم لا محالة!

خصوصًا أن الذاكرة المصرية مازالت تحتفظ فى خلفيتها بممارسات عصور «الاستفتاء»، وبالتركيز على مرشح واحد هو القادم دائمًا، كما أننا نلفت النظر فى هذه النقطة إلى أن تعبير «المرشح التوافقى» يحمل فى طياته آلية «التربيطات» الانتخابية، واتفاقيات الكواليس على حساب الشفافية، واحترام الرأى العام، ووضع إرادة الجماهير فى الاعتبار قبل غيرها.

هذه قراءة عابرة فى ذلك الملف الذى يسيطر على أحاديث المصريين فى منتدياتهم المختلفة، خصوصًا أن الظروف المحيطة تدعو إلى القلق، وتفرض شعورًا عامًا بضرورة الخروج من المأزق إذ لا يختلف اثنان على أن «مصر» مقدمة على حالة من الانصهار السياسى قد تمثل نقلة نوعية لهويتها الوطنية كما لم يحدث فى العصر الحديث كله، إن ما نراه ونتابعه بل نرصده فى الأسابيع الأخيرة يؤكد أن «مصر» قد دخلت الطريق الصعب من أجل مستقبل أفضل، ولا يبقى أمامها إلا تشكيل رؤية تقوم على الخيال الوطنى، الذى يحدد الملامح المضيئة للمستقبل بما يحمله من تحديات وما يرنو إليه من غايات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق