اخر الاخبار

12‏/03‏/2012

الفيلد مارشال بقلم حمدى رزق


«لقد تكلم بحماقة أغضبت المصريين»، هكذا وصف مسؤول مصرى حديث رئيس الأركان الأمريكى مارتن ديمبسى إلى المشير محمد حسين طنطاوى أثناء زيارته الأخيرة إلى القاهرة، لقاء ديمبسى، الذى طال ١٥٠ دقيقة، كان ثقيلاً على الجانبين، الوقت يمر بطيئاً على المشير الذى يستقبل ضيفاً ثقيلاً فى حجمه ورتبته وطلباته، وسريعا على الضيف الذى صار كمن يخبط رأسه فى حائط صخرى، ديمبسى جاء يطلب صراحة السماح بسفر المتهمين الأمريكيين الـ١٩ فى قضية التمويلات الأجنبية، جاء وفى ذيله طائرة أمريكية تكاد تقلع من قبرص، كان مصراً على أن يأخذ المتهمين فى يديه، يصحبهم إلى واشنطن، ديمبسى محرر الأمريكيين، يعيدهم إلى بلادهم بعد غزوة عسكرية ناجحة تكتب لقياداته فى البيت الأبيض فى بطاقة الانتخابات الرئاسية القادمة.



لقد فعلها ديمبسى اعتماداً على سابق علاقة عسكرية وطيدة مع القيادات العسكرية المصرية الحالية تعود إلى خمس سنوات مضت، ربما يفسر سر الحفاوة التى ظهرت عليها الزيارة فى الإعلام، لكنه تناول غداء فاخراً وعاد من حيث أتى، عاد إلى واشنطن بـ«خفى حنين»، وأعطى أوامره وهو خارج من القيادة المصرية بإلغاء الرحلة الجوية من قبرص.


سأل ديمبسى القيادة المصرية كثيراً عن المصالح والخيارات والعواقب: هل ستحافظون على الحريات الفردية أم ستمسون فى عزلة؟ حاول ديمبسى ترطيب الأجواء بمناداة المشير طنطاوى بـ«السيد الرئيس»، جاء الرد مباغتاً بأنه الفيلد مارشال، أى المشير، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بما يعنى أن ما سيتكلم فيه ديمبسى لاحقا يخص شخصاً آخر غير موجود فى القاعة، شخصاً كان ينفذ ما يؤمر به، لكن ديمبسى لم يفهم التوصيف الدقيق لوضعية المشير السياسية التى بات عليها.


حسنا، لا نملك من الأمر شيئا، هكذا كان لسان حال العسكريين المصريين، المنع من السفر شأن قضائى وليس سياسيا، مرت الدقائق قليلة، خلالها كان ديمبسى ينظر فى ساعته، كان قد ضرب موعدا لطائرة تابعة للأسطول السادس لتهبط وتحمل المتهمين الأمريكيين الذين سيطلقهم ديمبسى، كان المصريون على علم بالطائرة، كما كان ديمبسى على علم بأن اللقاء سيكون صعبا لكنه كان صريحاً إلى حدود الغلظة التى وصفت بالحمق. حملت السفيرة الأمريكية باترسون غضبة المصريين تواً إلى واشنطن، التى وجدت نفسها، ولأول مرة، فى أزمة تشبه أزمة الرهائن الأمريكيين فى طهران، وأن عليها التصرف بحكمة أكبر، وأن الأحذية الثقيلة لن تعبد طريقاً إلى إطلاق الأمريكيين، ولربما كانت الخسائر أكبر فى ظل احتراب انتخابى أمريكى، أوباما يخشى استخدام ورقة المتهمين الأمريكيين، انتخابيا، من جانب الجمهوريين، لذا تم فتح الخطوط الدبلوماسية الأمريكية بكثافة على مصر.


لم تخجل الإدارة الأمريكية من استخدام كارت المعونة العسكرية وقوامها ١.٢ مليار دولار، مساعدات عسكرية سنوية، وتلك لا تعوضها دعوات صالحات بذلتها أطراف مصرية لجمع مبلغ المعونة، استغناء عنها، المعونة العسكرية تعنى قطع غيار معدات وذخائر وعمرات و... .... ... و كثيراً من الذى يحظر كتابته فى تلك السطور، وتلك لا تستطيع أن تؤمنها تبرعات الشيخ محمد حسان ومن تبعه بإحسان، المعونة العسكرية قصة أخرى.


كان التحرك الأمريكى تلك المرة ناعماً، جاء جون ماكين ماكينة الدبلوماسية الجمهورى ليبحث أمر إطلاق المتهمين، وتحرك على خلفية نتائج الانتخابات المصرية الأخيرة، وذهب إلى رجل الجماعة القوى خيرت الشاطر وتباحثا فى الأمر، ووعده الأخير خيرا، عجبا من لا يملك أعطى وعدا لمن لا يستحق! صار الأمر قاسيا على المصريين، المعونة العسكرية فى كفة والمتهمون فى كفة، الأمن القومى المصرى، الذى يشكل قوامه الرئيسى الجيش المصرى، معرض لانكشاف هائل، خاصة أن نسبة المكون الأمريكى فى جيوش العالم تتزايد سنة بعد أخرى، نظرا للتكنولوجيات العالية التى صارت عليها الترسانة الأمريكية، والجيش المصرى ليس استثناء فى المنطقة من الحاجة الماسة إلى تلك التكنولوجيات المتطورة عسكريا، خاصة فى ظل تضخم عسكرى عند الجارة اللدود على الحدود الشرقية.


زيارة ماكين كانت بمثابة اعتذار أمريكى علنى مصحوب بطلب ملح بإطلاق سراح المتهمين، واشنطن - كما سرب ماكين - بدت منزعجة، واشنطن قلبت الدنيا على روسيا لأجل إطلاق سراح جاسوسين، واستجابت روسيا، لماذا لا يستجيب المصريون؟ هؤلاء متهمون بالتمويل وليسوا جواسيس، الأمر جد خطير هكذا عبر ماكين، وكان خطيراً بالفعل، الدبلوماسية وقفت عاجزة، والعسكرية بدت قانطة، والإخوانية يدها مغلولة، الأمر قضائيا بحت، وكما تعقدت قضائيا لابد من فكفكتها قضائيا، وكما قضى القضاء بمنع السفر، هو من بيده قرار إتاحة السفر، القضاء قضاء، وتلك قصة أخرى يملك المستشار عبدالمعز إبراهيم وحده سطورها، إن شاء يضع النقاط فوق حروفها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق