اخر الاخبار

27‏/03‏/2012

حمدى قنديل يكتب: العبث بأحلام الرئاسة



عاد الدكتور «البرادعى» من جديد إلى مشهد انتخابات الرئاسة بالدعوة التى أطلقتها حملة «دعم البرادعى رئيساً للجمهورية» لجمع توكيلات لترشيحه رغم إعلانه الانسحاب من السباق الرئاسى.. وتشارك مواقع إلكترونية أخرى فى الدعوة لجمع التوكيلات التى أكدت المصادر أن عددها تجاوز الحد الأدنى المطلوب للترشح، فى حين تقول مصادر أخرى إن العدد المستهدف هو ربع مليون توكيل.. وفى الوقت الذى تنشر فيه حملة «البرادعى» الدعوة على صفحتها فهى تؤكد أن جميع المبادرات فردية ولا تتبناها الحملة رسمياً، وأنها تعد تكريماً له ولا تعنى تراجعه عن سحب ترشيحه لأن أسبابه لاتزال قائمة.. وحتى الآن فإن الدكتور «البرادعى» نفسه لم يتحدث عن الأمر، لكن صفحته على «فيس بوك» نشرت صورة له ممسكاً بعدد من التوكيلات وعلى وجهه ابتسامة عريضة.


من حق الدكتور «البرادعى» أن يسعد لا لأن أصحاب التوكيلات، ومعظمهم من شباب الثورة، يطالبونه بالرجوع عن قراره، لكن لأن هؤلاء الشباب لايزالون مفعمين بالحماس والأمل رغم الإحباط الذى أصابهم عندما انسحب من السباق.. كان الانسحاب مفاجئاً لأنصار «البرادعى» جميعا، لكنه كان القرار المتوقع بالنسبة للذين يعرفونه جيدا.. كانت انتخابات الرئاسة قد دخلت فى دهاليز لا تطمئن، وكان واضحاً أنه من الصعب أن تجرى فى ظروف عادلة وشفافة، وكان المجلس العسكرى قد جافاه، والإخوان المسلمون تراجعوا عن تأييده، لكن سبب الانسحاب لم يكن توقع الهزيمة، ولا كان السبب احتجاجه على سياسات المجلس العسكرى على النحو الذى جاء فى بيانه.. السبب فى رأيى يرجع إلى افتقاد الدكتور «البرادعى» القدرة على مواصلة النضال والرغبة فى ذلك.



كنت رفيقاً لجمع من أخلص وأنقى أبناء مصر فى دعم «البرادعى» عندما جاء فى فبراير ٢٠١٠ مبشراً بالتغيير، لكنى انسحبت بعد بضعة أسابيع، وأخفيت هذا الانسحاب عدة شهور حتى لا أشوش على المسيرة.. ليس بينى وبين الرجل خصومة وإنما خلاف فى الرأى.. اختلفنا حول موقفه المهادن من أزمة طرد شباب الثورة من الكويت، واختلفنا حول أسلوب قيادته لحركة التغيير، واختلفنا أيضا حول غيابه المتكرر عن مصر، لكنى لا أزال أقول إنه أول رموز الثورة بلا منازع، وأرفض أى طعن فى وطنيته، وأتعجب أن يتطاول البعض عليه تحت قبة مجلس الشعب دون رادع.


منذ اللحظة الأولى لوصول «البرادعى» إلى مطار القاهرة ساورنى بعض القلق رغم الحماس الذى أطلقه فى الجموع التى غامرت بالخروج لانتظاره.. وقد عبرت عن هذا القلق فى مقال نشر هنا فى «المصرى اليوم» فى ٢٢ فبراير، أى بعد وصوله بأيام.. قلت إنه خرج من المطار «واستقل سيارته متوجها إلى جموع الشباب الذين كانوا قد قضوا ساعات طوالا ينادون باسمه، لكن السيارة اخترقت الطريق بسرعة حمقاء لم تمكّنه من أن يطل عليهم ملياً من كرسيه الخلفى وراء الزجاج المغلق».. وقلت إن البعض «أحس بإحباط تراه فى نظرات غاضبة، ومع ذلك فإن كثيرين تغاضوا أو حاولوا التغاضى».. قلت إنه مهما كان الأمر فكل هذه التفاصيل صغيرة أمام الحدث الكبير، إلاّ أن التفاصيل لم تكن صغيرة وإنما كانت إشارات كاشفة للصعوبات التى واجهته فيما بعد فى الاتصال بالجماهير والتواصل مع أنصاره، بل حتى الدائرة الضيقة المحيطة به، ظل «البرادعى» معظم الوقت وراء زجاج مغلق.


فى المقال نفسه أيضا قلت إنه بين كل الهتافات فى المطار «ظل هتاف واحد يرن فى أذنى وأنا فى طريق العودة: عشان الجموع مفيش رجوع يا برادعى.. لكن برنامج (البرادعى) المعلن يقول إنه عائد من حيث أتى بعد قرابة أسبوع».. أقلقنا هذا البرنامج حتى قبل أن يصل، ومنذ ذلك الحين لم أطمئن تماما إلى أن الرجل قد حزم أمره وقرر خوض المعركة إلى نهايتها، وقلت فى المقال ذاته إن «عليه أن يعلن بلا مواربة أنه عازم على الترشح للرئاسة.. عليه أن ينزل إلى الناس فى أعماق مصر بعد أن ذهبوا هم إليه.. التردد يصيب السياسى فى مقتل.. الناس لا تسير وراء زعيم إلاّ إذا رأوا فيه ملامح الاقتحام والتصميم واضحة.. البطاريات التى شحنت يوم المطار يجب ألا تترك حتى تفرغ».. لكن «البرادعى» لم يكن لديه التصميم الكافى.. وضع قدما فى مصر وقدما خارجها، وفقد قدرته على الحشد، واكتفى فى التواصل مع الناس برسائل «تويتر»، واستمر يتردد فى قراراته، وكادت بطاريات حملته تفرغ بعد أن انقسمت على نفسها، وانفض من حوله معظم الأقطاب المساندين له، وأصيب الشباب الثائر، الذى علق عليه كثيرا من الآمال، بالإحباط.


اليوم يريد البعض أن يبعثوا الحلم مرة أخرى بالدعوة لحملة جمع توكيلات ترشيح الرئاسة لـ«البرادعى».. إن كانت هذه الحملة لتكريم الرجل فهو يستحقه وأكثر.. المشكلة أن الحملة سوف تجدد الأمل لدى الشباب أن «البرادعى» سيعود ليخوض المعركة، لكنه لن يعود، وهكذا سيصدم هؤلاء ثانية بعد أن صُدموا يوم انسحابه.. المؤكد أن صورته، وهو يلوح بالتوكيلات فى يده، ترسل إشارة مضللة إلى أنصاره، لكن الذى يدقق فى تاريخ التقاط الصورة سوف يكتشف أنها التقطت فى مناسبة أخرى.. مهما كان الأمر، فإن صمت «البرادعى» لابد أن يوحى بأنه سعيد بما يجرى.. هنا المشكلة.. الشباب يكفيه ما أصابه من إحباط، و«البرادعى» يكفيه أن يظل الأيقونة والرمز الملهم لثورة ٢٥ يناير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق