اخر الاخبار

12‏/03‏/2012

الشكل والمضمون بقلم د.حسن نافعة


أحيانا كثيرة ننسى الهدف والجوهر وينصرف جل اهتمامنا إلى الوسيلة والشكل، وتلك إحدى سمات ثقافة التخلف التى سادت لفترة طويلة، ويتعين علينا الآن أن نتكاتف لتغييرها، إذا ما أردنا أن نلحق بركب التقدم ونسهم من جديد فى صناعة الحضارة الإنسانية.


ولأن مصر تخوض الآن معركتين سياسيتين كبيرتين فى وقت واحد هما: معركة وضع دستور جديد ومعركة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فعليها أن تركز جهدها على إنجاز الأهداف بأكثر مما تركز على وسائل تحقيقها. صحيح أن الحكمة كانت تتطلب خوض هاتين المعركتين المهمتين بالتوالى، وليس بالتوازى، لإتاحة الوقت الكافى لإنجازهما على الوجه الأكمل، أما وقد كتب عليها أن تخوضهما معا فى وقت واحد، فعليها أن تنتبه إلى أن الوقت المتاح لإنجازهما بات محدوداً للغاية، وهو ما يفرض عليها ضرورة الحرص على عدم إهدار الوقت فيما لا طائل من ورائه.



فالهدف النهائى من معركة الدستور هو صياغة وإقرار دستور جيد يليق بـ«مصر الثورة» ويؤسس نظاماً ديمقراطياً يتسع للجميع ولا يهمش أو يستبعد أحداً، ويكون قابلاً للدوام ومحققاً للاستقرار. أما الوسيلة التى أقرها الإعلان الدستورى لتحقيق هذا الهدف ـ بصرف النظر عن رأينا فيها ـ فترتكز على تشكيل جمعية تأسيسية من مائة عضو يختارهم الأعضاء المنتخبون فى مجلسى الشعب والشورى.


صحيح أنه يصعب الفصل هنا بين الهدف المنشود ووسيلة تحقيقه، لأن التوازن المطلوب فى تشكيل الجمعية التأسيسية هو الضامن الرئيسى لكتابة دستور يعبر عن طموحات الشعب، لكن الاستغراق فى البحث عن وسائل تحقيق هذا التوازن قد يثير إشكاليات يصعب حسمها ويؤدى بالتالى إلى استنزاف طاقة الأمة ونسيان الهدف الأصلى.


والهدف النهائى من معركة الانتخابات الرئاسية هو اختيار رئيس لمصر بمواصفات تتناسب مع طبيعة المرحلة التى تمر بها حاليا، ولديه من الخبرة والكفاءة ما يمكنانه من قيادة سفينتها إلى بر الأمان. ولأن مصر صنعت ثورة كبرى أطاحت برأس النظام القديم، ثم سلمت زمام أمورها إلى مجلس عسكرى أساء إدارة المرحلة الانتقالية، يفترض فى الرئيس الجديد ليس فقط أن يعمل على تحقيق أهداف الثورة، وإنما تصحيح أخطاء المرحلة الانتقالية فى الوقت نفسه. غير أن الوسائل المتاحة لتمكين مصر من حسن اختيار رئيسها القادم تحيط بها علامات استفهام كبيرة وتتيح الفرصة أمام قوى سياسية معينة، استفادت من الثورة بأكثر مما ساهمت فى صنعها، لإبرام صفقات تضيق من نطاق الخيارات أمام المواطنين وتسعى لتثبيت الوضع القائم حالياً.


وأيا كان الأمر فليس بوسع أحد أن يتكهن منذ الآن بالشكل الذى ستكون عليه الجمعية التأسيسية، والتى ستشكل إن آجلا أو عاجلا، وهل سيكون بمقدورها صياغة دستور يلبى طموحات الشعب ويؤسس نظاماً ديمقراطياً حقيقياً، وهل سيكون هذا الدستور جاهزا ونافذ المفعول قبل انتخاب رئيس مصر القادم؟ وليس بوسع أحد أن يتكهن أيضا بما إذا كانت مصر ستتمكن من اختيار رئيس تتوافر فيه الشروط والمواصفات المطلوبة لقيادة سفينتها فى تلك المرحلة المضطربة من تاريخها. ومع ذلك لدينا ثقة كاملة فى أن المواطن المصرى البسيط والأصيل سيكون هو الصخرة الأخيرة التى ستتحطم عليها كل المؤامرات التى تستهدف إجهاض الثورة أو تجييرها لصالح أقلية، أيا كانت.


أمام مصر مائة يوم حاسمة نأمل فى أن تركز فيها على تحقيق أهداف الثورة بأكثر مما تركز على وسائلها، والتى فات أوان النقاش حول مدى ملاءمتها. لكن المهم ألا يفقد المواطن حماسه للتغيير وثقته فى قدرة هذا الشعب على صنع مستقبل أفضل. وعلينا أن نذكر أنفسنا بأن المرحلة الانتقالية الحقيقية ستبدأ بعد ٣٠ يونيو المقبل ويجب أن نستعد لها من الآن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق