اخر الاخبار

04‏/03‏/2012

المهزلة الأرضية فى قضية حقوق الإنسان المصرية

تابع المصريون باهتمام شديد تصرفات المجلس العسكرى تجاه جمعيات حقوق الإنسان بصفة عامة وقضية الجمعيات الأمريكية بصفة خاصة. ويجمع المهتمون بالأمر على أن القرارات التى اتخذت فى هذا الأمر لم تكن مدروسة ولم يفكر أحد فى احتمالاتها وعواقبها حتى انتهت بكارثة. والأمر له عدة جوانب وقضية المنظمات الأجنبية هى فقط أحد جوانبه.

أولاً: منذ عدة شهور بدأ المجلس العسكرى هجوماً على بعض المنظمات، التى ساهمت فى بدء ودعم الثورة المصرية، وكان تركيزه أساساً على حركة «٦ إبريل»، فنشرت الصحف الحكومية عن اتهامات وتحقيقات تدين «٦ إبريل» بتلقى أموال من الخارج وتدريب من دول شرق أوروبا، وطالبنا مراراً بتحويل الأمر إلى النيابة، إذا كان هناك اتهام حقيقى، وثبت بعد شهور طويلة أن الموضوع «فشنك» ولا توجد تهمة ولا حاجة، وأعتقد أنه من الواجب أن يتقدم المجلس العسكرى والحكومة والصحف القومية باعتذار واضح لحركة «٦ إبريل» التى نظمت مظاهرات وإضراب المحلة الذى كان خطوة مهمة فى سلسلة الإضرابات التى مهدت لثورة ٢٥ يناير.ثانياً: بدأ المجلس العسكرى والحكومة حملة ضد منظمات حقوق الإنسان المصرية بصفة عامة، وأعتقد أن السبب الرئيسى فى ذلك هو قدرة ومهارة هذه المنظمات على تصوير وضبط كل الانتهاكات التى قام بها النظام المصرى الحالى ونشرها على الصحافة الإلكترونية و«فيس بوك» و«تويتر»، وهى وسائل قوية سريعة الانتشار فى العالم كله، وقد أدت إلى إحراج النظام الحالى فى الفترة الانتقالية بطريقة لم يكن يتخيلها.

ثالثاً: يجب أن يعرف المجلس العسكرى وأن تعرف الحكومات القادمة والأحزاب أن جمعيات حقوق الإنسان سوف تنمو وتكبر وتستمر، لأنها أصبحت فى العالم كله أحد العناصر المهمة التى تدافع عن الحرية وأحد أركان الشفافية، وأصبحت تمد الصحف ووسائل الإعلام بمعلومات موثقة عن أى انتهاكات ضد الإنسان، وقضيتا خالد سعيد والسلفى سيد بلال يرجع الفضل فى الكشف عنهما إلى جمعيات حقوق الإنسان، ويجب أن يكون تكوين هذه الجمعيات وإشهارها سهلاً، وتقوم الدولة بتغيير القانون ليصبح بسيطاً حتى يشعر الناس بأنهم حققوا شيئاً بعد الثورة، ويبدو أن ذلك لن يحدث، بل بالعكس يبدو أن مشروعات القوانين بها تعقيدات ومعوقات كثيرة.

رابعاً: نأتى لقضية الجمعيات الأمريكية وهى أصلاً جمعيات موجودة فى مصر منذ عام ٢٠٠٤ وهى غير مرخصة وقد قدمت كلها طلبات بالترخيص، ولكن لم ينظر فيها، والمجلس العسكرى الآن فى السلطة منذ عام كامل، ولم يطلب أحد من هذه الجمعيات أن ترحل، إذا كان يعتقد أنها غير قانونية وأنها خطيرة على مصر. لم يفعل المجلس ذلك، بل بالعكس وافق رسمياً على أن تقوم هذه الجمعيات بمراقبة الانتخابات البرلمانية، وبذلك أعطاها نوعاً من الشرعية، ولم يوافق أو يرفض طلبات التراخيص التى قدمتها للجهات الرسمية، وكان بإمكانه إغلاق هذه المراكز بهدوء. لقد أثارت قرارات المجلس العسكرى قلقاً شديداً، وطرح السؤال: هل أدار المجلس الأمور بحكمة من البداية أم أن تصرفاته أدت فى النهاية إلى كارثة الاعتداء على استقلال مصر واستقلال قضائها؟

المجلس العسكرى لم يتخذ أى قرار منطقى، وقرر إحالة المسؤولين فى هذه المراكز إلى المحكمة، التى أصدرت قراراً بمنع مغادرتهم مصر. المجلس العسكرى كان يجب أن يعلم منذ اللحظة الأولى أنه سوف يواجه الحكومة الأمريكية والكونجرس الأمريكى فى هذه القضية، وإذا كان المجلس يعتقد أنه على حق فى تقديم المنظمات إلى المحاكمة وأنه قادر على أن يقف أمام الضغط الأمريكى، وإذا كان قد درس الأمر وتفهم عواقبه، فعليه أن يمضى فى المحاكمة، أما إذا لم يكن قد درس الأمر فهذه كارثة، فكيف تدخل فى مواجهة دولة عظمى، لسبب أنت مخطئ فى بعض مكوناته، وتقوم بتصعيد الأمر بواسطة وزير الدولة للشؤون الخارجية وينتهى بتراجع مهين.

وقد حدثت ضغوط أمريكية قوية من وزيرة الخارجية ومن السيناتور ماكين ومن أعضاء الكونجرس، فكيف لم يتوقع المجلس ذلك، كنت أتوقع أنه بعد أن اتخذ قراره بتحويل المنظمات للمحاكمة كان يعى ذلك جيداً.

وبعد أن وقع الفأس فى الرأس حدثت الكارثة الكبرى وهى الاتصال برئيس المحكمة وطلب الموافقة على السماح للمتهمين الأجانب بالسفر للخارج، وعلى إثر ذلك التدخل الواضح فى سير القضية تنحى رئيس المحكمة، وصدر قرار من قاض آخر بالسماح لهم بالسفر، وسافروا فى غضون ساعات. وقد أشاد السيناتور ماكين، المرشح السابق لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، بدور الإخوان المسلمين وحزب «الحرية والعدالة» فى الإفراج عن الأجانب الممنوعين من السفر.

لقد أصبحنا فى مأزق كبير، فالقضاء المصرى الذى من المفترض أنه مستقل تم الاعتداء عليه جهاراً نهاراً من المجلس العسكرى بقرار فوقى، ومصر كدولة مستقلة أُهينت، لأنها رضخت للضغط الأمريكى، وأصبحت القضية الآن غير ذات معنى، لأن جميع المتهمين الأجانب فى الخارج، ولم يبق إلا حفنة من الموظفين والمتطوعين المصريين فى انتظار إعادة نظر القضية، وبالتالى فإن إدانتهم سوف تكون كارثة إنسانية، لأننا تركنا المتهمين الأصليين ليهربوا وحاكمنا فقط أولاد بلدنا.

باختصار شديد، لقد أُهينت مصر وتم الاعتداء على قضائها بسوء تصرف وقلة خبرة وحنكة من المجلس العسكرى فى هذه القضية وفى تعامله مع ملف حقوق الإنسان عموماً فى مصر. ويبدو أن المصرى لابد أن يظل واقفاً زنهاراً يدافع عن بلده حتى بعد الثورة.

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق