اخر الاخبار

11‏/05‏/2012

متاهة الحاوى عماد الدين حسين



على مدى الأيام القليلة الماضية شاهدت واستمعت إلى والتقيت بعشرات من القانونيين بدءا من المحامين ونهاية بمن يمكن وصفهم بالفقهاء.
 الخلاصة التى توصلت إليها أنه لا يوجد هناك اثنان يمكن أن يتفقا على رأى واحد بشأن «المتاهة القانونية» التى نغوص فيها كل يوم ولا نعرف إلى أين تقودنا.
 المتاهة واضحة، وإن كان هناك خلاف حول من السبب فيها، وهل هى مقصودة أم عشوائية؟!

 أخشى أن أقول إن بعضا ممن يفتون فى القانون لا يعرفون عما يتكلمون، بل لم يقرأوا الصحف الصادرة فى يوم حديثهم، لو كلف أحدهم نفسه وقرأ الصحف وليس كتب القانون ــ حسبما يفترض ــ لوفر على نفسه وعلينا آلاف الكلمات التى تصيب المواطنين بالبلبلة والحيرة واليأس وأخيرا الكفر بكل العملية السياسية وعودة الجلوس و«التربع» على الكنبة.

عندما يخرج أحد المحامين ويقول إن حكم محكمة القضاء الإدارى أول درجة ملزم للجنة العليا للانتخابات، يتجاهل وجود المادة الأسطورية الفرعونية رقم 28، وأن الانتخابات ستتأجل وشفيق سيغادر السباق الرئيسى.. عندما يقول ذلك بعد صدور الحكم بدقائق من دون أن يكلف نفسه عناء القراءة وتمحيص الأمر من كل جوانبه فعلينا أن نشعر بالقلق من مستقبلنا القانونى. خصوصا بعد «المطب القانونى» الذى اصطدمنا به بعد إحالة قانون العزل السياسى إلى المحكمة الدستورية، الأمر الذى يكشف ايضا غياب الخبرة والمهارة فى صياغة القوانين.

يخرج علينا كثيرون الآن من أساطير القانون الذين نطلق عليهم الفقهاء، ليقولوا لنا آراء متصادمة فى قضية واحدة.

من الطبيعى أن يختلف أى شخصين فى الرؤية أو التقدير أو الرأى أو التفسير، لكن ليس من الطبيعى أن يختلفا حول المعلومة بمعنى أن هناك مادة رقم كذا، وأن بعض الأمور ليس بها اجتهاد طالما هناك نص قاطع.

لسوء الحظ أن الأمر ليس راجعا فقط إلى الخلاف أو الاختلاف السياسى، بقدر ما هو راجع فى الأساس إلى افتقاد المهنية، بمعنى أوضح، نشعر كل يوم وفى مجالات كثيرة بأن أصحابها أو الذين يفترض أنهم رموزها يجيدون الكلام فى العموميات بطريقة جيدة، لكنهم لا يلمون بالتفاصيل التى يكمن فيها الشيطان.

وبمناسبة الحديث عن الشيطان نعود إلى السؤال الجوهرى وهو: هل هناك يد خفية هى التى أدخلتنا المتاهة وتحاول إغراقنا فيها كلما لاح هناك بصيص من النور؟!

هناك تكهنات وشكوك ومؤشرات وشواهد على وجود هذا الشيطان، لكن للأسف لا توجد معلومات صلبة تثبت ذلك؟

البعض يخشى أن الحيل السحرية التى تخرج كل يوم مصنوعة فى مصنع حاوٍ واحد، وأن هذا الحاوى إذا كان الأمر صحيحا ــ علينا أن نعترف بموهبته ــ و السبب ببساطة أن المتاهة القانونية ستعطى لهذا الحاوى إمكانية الاختيار من بين مجموعة واسعة من الخيارات القانونية لكى يحولها إلى سيف مصلت على جميع القوى السياسية.

صار فى جعبة أو جراب الحاوى الآن «كروت كثيرة» تبدأ بإمكانات صدور أحكام بحل مجلس الشعب وتنتهى بتهديد انتخابات الرئاسة نفسها.

وحتى إذا كانت انتخابات الرئاسة محصنة بالمادة 28 قانونيا، فإن الأثر السيئ هو التشكيك السياسى فى شرعية الرئيس المقبل المنتخب فى ظل الأحكام التى نتفاجأ بها كل يوم من القاهرة إلى بنها، والله وحده يعلم أى أحكام ومن أى دوائر سوف نستيقظ عليها غدا أو بعد غد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق