اخر الاخبار

14‏/05‏/2012

مناظرة تاريخية مستفزة بقلم حمدى قنديل


أفاضت وسائل الإعلام، مصرية وعربية ودولية، فى كيل الثناء للمناظرة التى أجريت بين المرشحين الرئاسيين عبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى، وتبارى الكل فى وصفها بأنها «مناظرة تاريخية»، وأنها «أهم حدث سياسى فى مصر بعد الثورة»، وأنها «دلالة على أن مصر ستظل سباقة وملهمة»، بل إن البعض بالغ فوصفها بأنها «مناظرة القرن»، رغم أننا لانزال فى بداية القرن، ورغم أنه لم تمض أيام على مناظرة الانتخابات الرئاسية الفرنسية المثيرة، وأن شهوراً قليلة تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى تعـتبر المناظرات الأم فى العالم.



لا أود أن أقلل بحال من شأن مناظرتنا، فمن المؤكد أنها بالنسبة لنا فى مصر حدث جديد لم نشهده من قبل، بل إننا لم نشهد فى تاريخنا تنافسا حقيقيا فى انتخابات رئاسية، كما أنه لا يقلل من وزن المناظرة أنها انتهت بلا حسم، سواء بنقاط أو بضربة قاضية، ولا ينتقص من قيمتها أيضا التجريح المتبادل الذى سادها ولا غياب البرامج عنها.. مناظرة «موسى - أبوالفتوح» كانت أيضاً عملاً تليفزيونياً بُذل فيه الكثير من الجهد، ومع ذلك فهناك أربع ملاحظات لابد من ذكرها: الملاحظة الأولى أن هذا عمل كان يجب على تليفزيون الدولة أن يتصدى له قبل غيره، حتى وإن كان من حق القنوات الخاصة ومن واجبها أيضاً أن تقوم به.. الثانية هى الاستغلال التجارى المعيب فى عرض الإعلانات التى استغرق بثها فى أحد الفواصل نحو نصف الساعة، بالمخالفة لكل القوعد المتعارف عليها فى العالم.. أما الملاحظة الثالثة فهى أن المناظرة استغرقت وقتاً أطول من اللازم بكثير، خاصة فى مقدمتها، رغم أنه كان من الضرورى شرح آلياتها لمشاهدين يمرون بالتجربة لأول مرة.. والملاحظة الرابعة أنها انتهت فى ساعات الصباح الأولى، وهو وقت متأخر للغاية حتى ولو كان اليوم التالى لها إجـازة رسمية، وحتى ولو كان هذا قد أصبح، للأسف، عرفاً معتاداً فى الشاشات المصرية.


أهم من هذا وذاك أن المناظرة كشفت عن سقطة شائنة تتعلق باختيار المرشحين للمشاركة فيها دون غيرهم.. كانت الجهات الأربع المنظمة «دريم، أون تى فى، المصرى اليوم، الشروق» قد أمطرتنا فى الأسابيع السابقة بإعلانات تفيد بأن هناك سلسلة من المناظرات ستذاع فى ثلاثة تواريخ محددة، الأمر الذى توقعنا معه أن يشارك فيها عدد قد يصل إلى ستة من المرشحين، إلا أن الموعد الأول ألغى فجأة بحجة أحداث العباسية، ثم اختزل الموعدان التاليان فى مناظرة واحدة بين «موسى» و«أبوالفتوح» دون اعتذار أو إبداء أسباب من الجهات المنظمة تؤكد بها احترامها للرأى العام .. لذلك سرعان ما أثير السؤال: لماذا هذان المرشحان بالذات؟.. كانت إجابة المنظمين أن معظم استطلاعات الرأى التى أجريت فى مصر وضعتهما فى مقدمة المرشحين الذين لديهم فرصة للفوز.. لكن هذه الاستطلاعات، كما يعلم الكل، لا تحظى بمصداقية كافية، رغم تقارب نتائجها، ومن ناحية أخرى فهناك مرشحون آخرون لا يمكن إغفالهم، كما أن الجهات المنظمة ذاتها تعتبرهم مرشحى قمة «شفيق وصباحى ومرسى مثلاً» وإلا ما اهتمت بأخبارهم يوميا على نحو ما تفعل.. لماذا استبعد هؤلاء رغم أن فى هذا الاستبعاد تأثيراً على المنافسة الانتخابية وإهدارا لمبدأ تكافؤ الفرص؟.. هل اعتذروا هم عن عدم المشاركة، أم أن المنظمين استبعدوهم؟.. من حقنا أن نعلم..


تقول حملة د. العوا إنه وافق على خمس دعوات للتناظر من قنوات تليفزيونية، لكن المرشحين الإسلاميين رفضوا، وتقول حملة «صباحى» إنه قبل مناظرة أى مرشح، لكنهم جميعا رفضوا بمن فيهم «أبوالفتوح ومرسى»، وتقول حملة خالد على إنه طلب مناظرة «موسى ومرسى وأبوالفتوح وشفيق» وإنهم رفضوا كذلك، وتقول حملة «مرسى» إنه اعتذر عن جميع المناظرات التليفزيونية لأنه لا يوافق على فكرة المناظرات «بالطريقة الأمريكية القائمة على تجريح مرشح على يد آخر، ويعتقد أنها مخالفة لثقافة المجتمع المصرى»، وتتهم حملة أبوالعز الحريرى قنوات تليفزيونية بأنها عرضت عليه التناظر ثم تراجعت.. لكن الجهات الأربع المنظمة لم تقل لنا ما هو الجانب الآخر من الحقيقة فى هذا كله؟.. إذا كان البعض قد اعتذر حقا، فلماذا لم يعلن هذا الاعتذار حتى نثق فى مصداقية المنظمين، ونكتشف الأبعاد الخافية علينا فى الكواليس السياسية، ونتعرف بشكل أفضل على شخصية المرشحين أنفسهم ومدى جرأتهم أو جبنهم فى المواجهة؟


إلا أن هذا كله ليس هو ما يزعج فى مناظرة الخميس الماضى.. الاستفزاز فى هذه المناظرة هو وصفها بأنها «نجاح للثورة» وبأنها «دليل على حجم التحول فى مصر»، فى حين أن مرشحى الثورة المؤمنين بدولة مدنية حديثة قد اختفوا من المشهد أو كادوا.. د.أبوالفتوح واحد من مرشحى الثورة، نعم.. لكننى قلت فى مقال الأسبوع الماضى إنه بالرغم من كونه مرشحاً وسطياً فإن مرجعيته الدينية تثير المخاوف، كما أن علاقات الإخوان المسلمين به ستؤدى إلى مشكلات فى حال نجاحه.. إذا احتد الخلاف معه سيحدث صدام بين مؤسسة الرئاسة والسلطة التشريعية، وإذا آثروا التوافق فسوف يعنى هذا أن تيار الإسلام السياسى قد هيمن على القبتين، قبة البرلمان وقصر القبة.. مرشحو الثورة الآخرون غابوا عن المناظرة.. وهم المسؤولون عن هذا الغياب، بعد أن عجزوا عن الاتفاق على التنازل لواحد منهم، ومضوا غير عابئين بتفتيت الأصوات فيما بينهم.. هذه ليست أخلاق الثورة كما عشناها فى ميادين التحرير، ولا هو السلوك الذى يتوقعه المؤمنون بها من ممثليهم.. أمام هؤلاء المرشحين أيام معدودة حتى يكفِّروا عن هذا الجرم، وينسحبوا قبل إجراء الانتخابات لصالح الأقرب بينهم إلى الفوز، ويعلنوا ضم صفوفهم جميعا خلفه، وإلا فلينتظروا حسابهم من التاريخ ومن الأمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق