اخر الاخبار

31‏/05‏/2012

الاختيار الصعب بقلم د. عمرو الشوبكى


لم يتمن كثير من المصريين أن تكون جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة بين د. أحمد شفيق، رئيس وزراء الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ود. محمد مرسى، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، وغاب عن المنافسة ثلاثة مرشحين هم: أ. عمرو موسى، أ. حمدين صباحى، د. عبدالمنعم أبوالفتوح. وكان وصول أى واحد منهم إلى جولة الإعادة يحل مشكلة قطاع واسع من المصريين.


وجاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، ووصل اثنان لم يفضلهما أغلب من صوتوا فى انتخابات الرئاسة، وأصبح كثيرون أمام خيار صعب دفعهم إلى إعلان مقاطعة الانتخابات، وعدم انتخاب أى من المرشحين.

والحقيقة أن صعوبة الاختيار بين «مرسى» و«شفيق» ترجع إلى مشكلات حقيقية فى طبيعة المشروع الذى يمثله كل منهما: فالأول هو د. محمد مرسى، الذى ينتمى إلى جماعة تعرضت لاضطهاد واسع فى عهد مبارك، وظلت تعانى من القمع والاستبعاد حتى وصفها النظام السابق بـ«الجماعة المحظورة»، وبعد الثورة تمسكت الجماعة بهذا اللقب بعد أن رفضت تقنين وضعها القانونى كجمعية أو مؤسسة أو شركة وفق قوانين الدولة التى ترغب فى رئاستها، وظلت فى وضع استعلائى غير مسبوق برفضها التحول إلى جماعة قانونية تخضع لرقابة أجهزة الدولة مثل غيرها من الجمعيات والهيئات.


والحقيقة أن اختيار د. محمد مرسى جاء تكريسا لوضع غير ديمقراطى داخل الجماعة، تحكمه ولاءات ضيقة لدائرة مغلقة تمتلك فى يدها السلطة والمال وتدير الجماعة بشكل حديدى، بعيدا عن اعتبارات ديمقراطية تتسم بالرحابة والانفتاح على المجتمع.


فالمؤكد أن وجود «حرية وعدالة» منفصل عن الجماعة الدينية، كان سيتمسك بعبد المنعم أبوالفتوح حتى النهاية، بل يرشحه فى انتخابات الرئاسة، وفى حال فشل فى ذلك فإن الحزب السياسى الديمقراطى المنفصل عن الجماعة كان سيختار عصام العريان أو من يشبهه من سياسيى الجماعة الذين كانوا جزءاً من الحياة السياسية المصرية بمرها وحلوها، وليس المرشح الحالى الذى رغم احترامنا الشخصى له، فإن اختياره تم أساسا على ضوء معيار السمع والطاعة والولاء الحديدى لقيادة الجماعة، وليس عبر معيار ديمقراطى يعلى من قيمة التواصل مع المجتمع والقوى الأخرى.


المؤكد أن هناك مخاطر حقيقية من هيمنة تيار سياسى، عاش أكثر من ٨٠ عاما فى المعارضة، على كل مفاصل الدولة من برلمان إلى حكومة إلى رئاسة الجمهورية، وعدم قدرته حتى هذه اللحظة على وضع معايير لجنة كتابة الدستور، وسوء أدائه طوال الشهور الأربعة الماضية وتراجعه عن كل وعوده السياسية، وفشله فى طمأنة قطاعات واسعة من المصريين فى صدق نواياه وتوجهاته.


والمؤكد أن الإخوان المسلمين فى العالم العربى كان نجاحهم فى المعارضة وليس الحكم، فقد فشلوا فى السودان وفلسطين، بعد أن قسموا الأولى وتعثروا فى الثانية. وخطورة تكرار تجارب الفشل داخل مصر ترجع إلى أن الإخوان لن يحكموا البلاد من خلال نظام سياسى مستقر، ممثل فى دستور مكتوب ومحترم، ودولة قانون ومؤسسات قوية، فكل ذلك يعتبر من شروط الدمج الآمن للإسلاميين فى العملية السياسية، كما جرى فى تركيا وإلى حد كبير المغرب.


أما فى الحالة المصرية فإن الفرصة الوحيدة لضمان هذا الدمج الآمن للإسلاميين فى العملية السياسية تتمثل فى توازن حقيقى بين الأطراف المختلفة فى العملية السياسية، لا يجعل هناك أى إمكانية لاحتكار السلطة من جانب طرف سياسى واحد يفصل كل القوانين على مقاسه ويخترق مؤسسات الدولة لصالح تنظيمه، يما يعنى إعادة إنتاج نظام غير ديمقراطى يصعب تغييره قبل عقود طويلة.


أما الاختيار الصعب الثانى فهو الفريق أحمد شفيق، صحيح أن تدرجه الوظيفى يمثل كتاباً مفتوحاً عرفه كثير من المصريين منذ أن التحق بالكلية الجوية حتى وصوله إلى درجة لواء، فقد عرف تدرجاً وظيفياً له قواعد واضحة نظمتها الدولة المصرية مثل ما جرى مع عمرو موسى، الذى بدأ ملحقا فى الخارجية حتى وصل إلى درجة سفير، ثم وزير خارجية. على خلاف نماذج المال والسياسة التى راجت فى مصر طوال العهد السابق وكانت كتابا مظلما رفضته الغالبية العظمى من المصريين.


والمعضلة أنه عقب هذا التدرج الطبيعى فى رحلة «شفيق» المهنية دخل النظام السابق كوزير للطيران المدنى، وأثيرت حوله أسئلة كثيرة وانتقادات أكثر، وكان وجوده كرئيس وزراء فى موقعة الجمل سببا فى رفض الكثيرين ترشحه.


المؤكد أن كثيراً من تجارب التغيير الناجحة فى أوروبا الشرقية وغيرها عرفت فى أول أو ثانى انتخابات عودة لأحزاب ورموز النظام القديم إلى الحكم، دون أن يثير ذلك أى اعتراضات تذكر، ليس بسبب أن هذا الأمر جاء فى انتخابات ديمقراطية يجب احترامها فى كل الأحوال، إنما لكون هذه البلاد ركزت فى تحركها على تغيير المنظومة القديمة وليس الأشخاص القدامى، فنظرية «امسك فلول» المصرية عنت فى تجارب النجاح «امسك المنظومة القديمة واعمل على تفكيكها، وبناء منظومة جديدة»، فإذا جاء عليها رئيس أو حزب ينتمى إلى النظام القديم فسيجد نفسه يقود نظاماً جديداً، لأن الجميع تكاتف من أجل هدم المنظومة القديمة أولاً.


للأسف لم يجر أى تغيير على النظام القديم فى مصر، وبالتالى شعر الناس بأنه إذا جاء الإخوان أو الأحزاب المدنية، فإن النتيجة ستكون واحدة «لا تغيير»، لأن الجميع يسير فى ظلال النظام القديم، سواء كان شخصاً «جديداً» أو «قديماً».


ولذا لا يشعر كثير من المصريين بالفارق بين كلا المرشحين، فسواء جاء مرسى «الجديد» أو شفيق «القديم»، فكلاهما لا يبدو راغباً أو قادراً على تفكيك المنظومة القديمة التى عانت منها البلاد لعقود طويلة، وهو أمر لا يعنى عدم احترام نتيجة الانتخابات، بل على العكس فلابد من احترام إرادة المصريين الحرة مهما كانت، والعمل على بناء تيار سياسى جديد يناضل داخل الأطر السياسية الديمقراطية ويؤسس لمرحلة ما بعد كلا المرشحين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق