اخر الاخبار

09‏/05‏/2012

نقطة البداية فى الإصلاح العربى تلاقى الديمقراطية بالإسلام بقلم جمال البنا


لا يمكن أن يتأتى حل حقيقى لمشكلة الإصلاح السياسى العربى إلا من نقطة بداية معينة هى تلاقى الديمقراطية بالإسلام، لأننا لو دعونا إلى الإسلام وحده لظهرت لنا صورة عديدة للإسلام كلها مشوهة، وكلها مما تركه الأسلاف، مما لا يمكن أن يتعايش مع العصر، ولو أننا دعونا إلى الديمقراطية وحدها لكان يمكن الرد بأنها بضاعة مستوردة وإحدى «تقليعات» الحداثة، وأنها حتى لو نجحت فى الخارج فإنها لا تنجح لدى العرب لأنها غريبة على الإسلام، فلا تلمس الوتر الحساس فى الشعب، وقد جاءت معظم مشاكل الحكام المعاصرين للدول العربية من تجاهلهم الإسلام، فلم يحدث تجاوب قلبى ما بينهم وبين شعوبهم.


إن أكبر ما يجعل الإسلاميين يصرفون النظر عن الديمقراطية، إن لم يكن يعادونها هى أنهم يظنون أن الحكم الديمقراطى يمكن أن يصدر قوانين تخالف الشريعة كإباحة الدعارة، أو الشذوذ الجنسى، فضلاً عن الفكرة العامة المتأصلة عن الاختلاف ما بين الديمقراطية والإسلام.


من هنا يكون الواجب الأول على الإسلاميين الذين يؤمنون بالديمقراطية أن يتغلبوا على هاتين الصعوبتين وأن يوضحوا فسادهما، فبالنسبة للخوف من سن قوانين معادية للشريعة يجب إيضاح أن هذا احتمال لا يمكن أبدًا أن يحدث، لأن الديمقراطية أسلوب للحكم بإرادة الشعب وأن الذين يضعون القوانين هم النواب الذين انتخبهم الشعب، ومن غير المعقول أن يقترح هؤلاء النواب أى قانون يخالف الشريعة لأنهم يعلمون أن هذا يتناقض تمامًا مع إرادة الذين انتخبوهم، وأنهم لو فعلوا ذلك لسحب الشعب الثقة منهم، أو لما أعاد أبدًا انتخابهم، والأقرب إلى المنطق هو أن هؤلاء النواب يقترحون ويؤيدون ما يريده الشعب، فاحتمال إصدار قوانين تخالف الشريعة مستبعد تمامًا، ولا يمكن عمليًا وقوعه.


من ناحية ثانية لابد من إيضاح نقاط التلاقى، والاتفاق ما بين الإسلام والديمقراطية فإن كلاً منهما يحكم تطبيقًا لإرادة الشعب، وإذا كانت الديمقراطية تقوم على الحرية والعدل، فإن هذين هما ما يقوم لهما الإسلام، فالقرآن الكريم يقرر حرية الفكر والاعتقاد فى أكثر من مائة آية مثل «لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» (البقرة ٢٥٦)، «وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف ٢٩)، «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» (يونس ٩٩)، بل إن القرآن يؤكد صراحة أن الاعتقاد قضية شخصية لا شأن للنظام العام بها لأنها فى حقيقتها ضمير وإيمان فهى بعيدة بهذه الطبيعة عن صلاحيات النظام العام «فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا» (يونس ١٠٨)، أما العدل فالعدل هو هدف الإسلام الأعظم وهو محور الحكم، «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» (النساء ٥٨).


إننا منذ عشرين عامًا نحاول جاهدين إبراز حرية الإسلام وأنه يفضل التعددية بين الأديان ويعترف بحق الآخر فى الوجود والحماية ما لم يحارب المسلمين أو يخرجهم من ديارهم «لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ» (الممتحنة ٨)، وقد كانت المشكلة أن الإسلام الذى يؤمن به المسلمون اليوم هو الإسلام الذى وضعه الفقهاء نتيجة لفهمهم للقرآن وهو فهم خضع لعدد كبير من العوامل الذاتية، كما خضع لمقتضيات الطبيعة الإمبراطورية للدولة الإسلامية التى وضع الإسلام منظومة المعرفة الإسلامية، أى تفسير القرآن والحديث والفقه فى ظلها فجاءت معبرة عن مقتضيات هذه الطبيعة وليست عن مقتضيات القرآن.


ومنذ عام ١٩٧٢م ونحن نحارب ونصدر الكتب التى تبين حرية الاعتقاد فى الإسلام، وكان نتيجة لذلك أن تزحزحت مواقف المؤسسة الدينية (الأزهر) نحو المرتد، ولم تعد تحكم عليه بالموت إذا لم يتب، كما كان سابقًا، ولكن لايزال أمامنا جهود عديدة للتوصل إلى تغيير الرأى العام لدى الجماهير المسلمة.


لهذا أرى أن المبادأة يجب أن تبدأ من أحرار الفكر المسلمين الذين يؤمنون بالإسلام وبالديمقراطية معًا، فهم الوحيدون المهيأون للنجاح فى هذه المعركة، ويجب أن تبذل كل الجهود لدفعهم وتشجيعهم وتمكينهم من الوصول إلى الرأى العام، ومن حسن الحظ أن التوصل إلى حل أصولى يقوم على القرآن وعلى الصحيح الثابت من السُّنة دون تطويع أو تكلف، وفى الحقيقة أصعب ما فى الموضوع أنهم لم يعد لهم مشكلة لأن هذا هو ما نصبنا أنفسنا عنه، وما أصدرنا فيه قرابة ثلاثين كتابًا كل منها يعالج جانبًا من الموضوع مثل «حرية الفكر والاعتقاد، التعددية، المرأة، تصحيح معنى الجهاد، حقوق الإنسان»، فالفكر الذى يؤكد اتفاق الإسلام مع الديمقراطية موجود بالفعل، ولكن يفترض أن يصل إلى القواعد والجماهير، ليس فى الدول العربية فحسب، ولكن أيضًا لدى الجاليات الإسلامية فى الدول الغربية التى نقلت مذهبياتها معها، وبدلاً من أن تصلحها الحضارة الأوروبية فإنها زادتهم عنادًا.


ولو قال أحد إن اللقاء قد حدث ما بين الإسلام والديمقراطية عندما أعلن أبوبكر خطابه المشهور الذى بلور الديمقراطية خير بلورة «ولَّيت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنت فأعينونى، وإن أسأت فقومونى، واعلموا أنى أحكم بشرع الله، فإذا انحرفت فلا طاعة لكم عندي»، وهى الخطبة التى كررها عمر بن الخطاب تقريبًا، وأن هذه الخطبة تقرر مسؤولية الوزارة، وأنها يمكن أن تصل إلى سحب الثقة من الحاكم، فإذا كان الأمر أمر إسلام وأمر ديمقراطية فهما يسيران معًا من أقدم العصور، ولكن المشكلة فى الدين قد تأتى من الذين يريدون تحويل بعض النصوص الدينية إلى قوانين تجرم السفور أو تأمر بإغلاق دور السينما والمسرح، وحرية الفكر والإبداع... إلخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق