اخر الاخبار

24‏/05‏/2012

بعد انتخاب الرئيس بقلم د. عمرو الشوبكى




ذهب المصريون لانتخاب رئيس جديد للجمهورية فى أول انتخابات حرة منذ ٦٠ عاماً ليبدأوا رحلة بناء الجمهورية الثانية فى طريق ليس سهلاً وأمامه عقبات كثيرة لن تُحل بانتخاب رئيس للجمهورية، إنما ستوضع على بداية الطريق الصحيح للحل.


والحقيقة أنه من غير الصحيح أن المرحلة الانتقالية ستنتهى مع انتخاب رئيس الجمهورية، فالصحيح أنها ستبدأ مع انتخابه بعد أن ضاع ١٥ شهراً من عمر هذا الشعب فى فوضى وعشوائية وسوء أداء غير مسبوق جعلت البلاد لاتزال تبحث عن طريق تدخل به المرحلة الانتقالية.



ولعل التحدى الأول الذى سيواجه الرئيس المنتخب يتمثل فى هذا الوضع العجيب وغير المسبوق فى تاريخ مصر والعالم المتمثل فى انتخاب رئيس بدون دستور وبلا صلاحيات محددة فى مشهد يدل على «إنك أكيد فى مصر».


إن تجارب النجاح فى العالم كله هى التى وضعت قاعدة دستورية وقانونية تكون محل توافق بين مختلف فرقاء الساحة السياسية قبل بدء الصراع والتنافس السياسى، وهو ما لم يحدث فى مصر، وستصبح مهمة الرئيس فى غاية الصعوبة لأن اختياراته لن تكون محل إجماع، ولا بالضرورة توافق، لأنها تأتى فى أعقاب معركة انتخابية شرسة حكمها تنافس حاد بين المرشحين، سيجعل الفائز والخاسرين أطرافاً مباشرين فى العملية السياسية، وهو أمر سيصعب من مهمة قبول الرئيس كطرف محايد فى العملية الانتخابية.


إن تفعيل دستور ٧١ قد يكون بداية الخروج من الأزمة الحالية، وهو أمر يستلزم تعديل بعض مواد الباب الخامس من هذا الدستور بحيث يؤسس لنظام رئاسى ديمقراطى لا برلمانى أو مختلط، لا يعيد إنتاج نظام استبدادى بإعطاء صلاحيات أسطورية لرئيس الجمهورية، إنما نظام فيه الرئيس - وليس الحكومة أو رئيسها - هو رأس السلطة التنفيذية كما هو الحال فى فرنسا وغيرها من دول العالم.


أما التحدى الثانى فسيظهر فى حال وصول أحد المرشحين المؤمنين بالثورة إلى السلطة وسيصبح مطالباً باستحقاقات إعادة بناء الدولة وتنفيذ جانب من برنامجه الانتخابى والانتقال من مرحلة الاحتجاج والثورة على النظام القديم إلى مرحلة الإصلاح الجراحى وإعادة بناء ما خربه النظام السابق.


إن التقدم الذى حققه حمدين صباحى فى سباق الرئاسة دار فى جانب منه حول رسائله المطمئنة لكثير من القوى الموجودة داخل المجتمع والدولة، فالشعب يريد أن يستمع لـ«حمدين المصلح»، لأن «C.V» حمدين الثائر والمناضل موجود ومؤكد، والمطلوب من الرئيس وأنصاره ليس الهتاف بسقوط العسكر والداخلية والقضاء كما تفعل الجماعات الاحتجاجية، إنما إعادة بناء هذه المؤسسات وإصلاحها لأن مصر العميقة، شعباً ودولة، ستسمح فقط بإصلاح الدولة لا الانتقام منها.


الأمر نفسه ينسحب على عبدالمنعم أبوالفتوح، الذى يتمتع بمصداقية ووسطية مقبولة لدى قطاعات واسعة فى الشارع المصرى، إلا أن تركيزه على أصوات بعض الجماعات الاحتجاجية ومجموعات محدودة من النشطاء السياسيين البعيدين عن مشروعه الفكرى والسياسى - أفقده تأييد قطاعات أوسع من الناخبين المصريين، وهو ربما ما كان واضحاً فى اللغة التى استخدمها فى بعض أجزاء مناظرته مع عمرو موسى وجعلت الأخير يبدو متفوقاً فى أعين الكثيرين.


وقد أعقب تلك المناظرة تحسن ملحوظ فى أداء أبوالفتوح وقدم خطاباً سياسياً ذا مضمون قوى، وأصبح حريصاً على أن يقدم نفسه باعتباره يمتلك مشروعاً سياسياً مؤمناً بالثورة وقادراً على إصلاح دولة كاملة وليس مشروع تنظيم ثورى أو سرى.


الرئيس القادم الذى نأمل أن يأتى من الجديد الذى ولد فى مصر بعد ٢٥ يناير سيكتشف بأسرع مما يتخيل الشباب الداعم له أن مشكلات مصر لا علاقة لها بكثير من الشعارات التى كانوا يطلقونها، وأن خبرة الاحتجاج والرفض على أهميتها لن تكون قادرة على أن تبنى مصر الجديدة.


فالمطلوب من الرئيس القادم أن يحول برنامجه الانتخابى الذى أطلقه على سبيل الواجب، ودون امتلاك أى آلية للتنفيذ، إلى واقع وممارسة، وهو أمر يستلزم دعوة كل الكفاءات للمساهمة فيه، والنظر إلى الواقع الداخلى والدولى كما هو وليس كما يأمل لأن الخطاب الرائج فى مصر بعد الثورة حمل فى معظمه مجموعة من الأمانى الطيبة التى لا علاقة لها بالواقع.


سيصدم الكثيرون فى طبيعة التحديات التى ستواجه الرئيس القادم، وسيكتشف الكثيرون أن من حمى الشباب الثائر هو عدم تبنى النظام القائم أو الذى يولد «الشرعية الثورية» التى كان من المؤكد أن الثوار الحقيقيين والمخلصين لأى فكرة أو مبدأ سيكونون أول ضحاياها، وأن دولة القانون والشرعية الدستورية والديمقراطية هى التى يجب بناؤها وليس شرعية النظم الفاشلة والاستبدادية التى اختبأت خلف الشرعية الثورية، وستصبح مهمة الرئيس الأولى هى بناء دولة القانون والمؤسسات، ومواجهة مشكلات جديدة لم يعتد رؤساء مصر السابقون ولا ثوارها مواجهتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق