اخر الاخبار

25‏/05‏/2012

أوهام نهاية الثورة بقلم وائل قنديل


هل قامت الثورة فى مصر لخلع حسنى مبارك وتغييره بأى مبارك آخر؟

بكل تأكيد لم تنتفض مصر وتقدم كل هذا القرابين من الشهداء والجرحى من أجل إزاحة شخص ووضع آخر مكانه، بل حركتها أهداف أخرى أشمل وأنبل، على رأسها إسقاط منظومة حكم فاسدة وفاشلة وعاجزة، وتغيير تركيبة المناخ السياسى المتحلل الذى عطل كل طاقاتها وشل قدراتها على الحركة والتطور، رافعة شعارات تبدو بسيطة فى مفرداتها لكن كل واحد منها يمتد فى عمق الحياة المصرية على نحو يصلح معه ليكون سببا وحيدا وكافيا لإشعال ثورة.


قامت مصر تطلب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولذلك يبدو عبثيا وتحركا ضد اتجاه التاريخ أن يخرج أحد متوعدا المصريين بمجازر ومذابح إن هم أقدموا على الاحتجاج والتعبير عن الغضب مرة أخرى، ليس هذا فقط بل يبدو نوعا من الانتحار السياسى والأخلاقى أن يتوهم أحد أن الثورة انتهت وصارت شيئا من الماضى مع انتخاب رئيس بديل لحسنى مبارك.

إن جموع الثورة أسقطت جمهورية الخوف، وإذا كان هناك بعض من أدمنوا أن يكونوا عبيدا لقوى باطش حتى وإن كان جاهلا جهولا، فإن جيلا جديدا ولد مع هذه الثورة، شم رائحة الدم وعرف صوت اختراق الرصاص للأجساد الغضة والجماجم النبيلة وهو فى عز الطفولة، فتعلم أبجدية المواجهة وانتزاع الحلم من بين فكى المستحيل، وآمن بأن الحق والعدل والخير والجمال قيم أساسية وليست شعارات براقة أو مفردات فى موضوع إنشاء فى امتحان عابر.. هذا الجيل الواقع بين سن العاشرة والعشرين عايش وقائع استشهاده على الأرض وتربى على أن يحيا بكرامة، مودعا إلى غير رجعة نظرية «كلب حى أفضل من أسد ميت.

وهذا الجيل لن يفرط فى الحساب، ولن يرضى من الثورة بالقشور والفتات، ولن يهدأ حتى يرى الشعارات التى بذل من أجلها الدم تتحقق غير منقوصة، وعليه فإن أى رئيس قادم يظن أن انتخابه كان نقطة فى نهاية السطر الأخير من الثورة يحكم على نفسه بالإعدام المبكر، وعلى من يريدون الاستقرار حقا وفعلا أن يدركوا أن استمرار ماكينة نظام مبارك فى العمل يعنى فى اللحظة ذاتها توفير الأسباب اللازمة والعناصر الضرورية لاستمرار الغضب والثورة.

ومن هنا فإن رئيسا قديما، لمصر الجديدة، وقائدا من الماضى لمصر المستقبل، لا يعنى سوى أن صفحة جديدة تفتح فى كتاب الثورة، حتى وإن ردد المقولات والشعارات الثورية، ذلك أن وعيا جديدا تشكل فى مصر، وصارت هناك مسطرة قياس لا تخطئ، فلا يظنن أحد أنه قادر على دغدغة المشاعر بطنين أجوف عن ثورة هو خصمها.

إن ما أثبت صلاحيته فى رومانيا قبل نحو ربع قرن من الآن، ليس بالضرورة صالحا للاستعمال فى مصر، بعد كل هذه السنوات، لأن وعيا جديدا تشكل، وكمال قال هيرقليدس (لا تستطيع أن تنزل النهر ذاته مرتين).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق