اخر الاخبار

14‏/05‏/2012

مأساة الرعاية العلاجية للفقراء.. حكاية مهداة لمرشحى الرئاسة بقلم د . طارق الغزالى حرب


حدثت هذه الواقعة مساء الأحد ٣٠/٤ إذ وصلت السيدة التى تعاون زوجتى فى أعمال المنزل إلى منزلها بالزاوية الحمراء، فطلب منها حفيدها أحمد وهو فى السادسة من عمره جنيهاً ليشترى قطعة كيك من محل أمام المنزل فأعطته إياه ونزل الشارع.. بعد دقائق معدودة سمعت طرقاً على الباب ووجدت أمامها شابين يحملان طفلاً غارقاً فى دمائه ويسألانها عن ابنها الذى يعمل سائقاً لعله موجود ومعه السيارة التى يعمل عليها، وأثناء إجابتها بأنه غير موجود نظرت السيدة للطفل وهو فى شبه غيبوبة فاكتشفت أنه حفيدها فصرخت وأخذت تولول، فجرى الشابان بالطفل وأخبرها ثالث بأن موتوسيكلا صدمه ووقع عليه بمن كانوا عليه ثم فروا هاربين. ترك الشباب السيدة بسرعة وتطوع أحد الجيران بعربته وذهبوا جميعاً بالطفل إلى مستشفى جراحات اليوم الواحد، حيث إنه الأقرب، وكانت الساعة حوالى السادسة مساءً فأخبروهم هناك بأن الحالة يبدو أنها تحتاج لتخصصات أو إمكانيات ليست لديهم وبدون أى إجراءات أو إسعافات نصحوهم بالذهاب إلى المستشفى الجامعى لطب عين شمس الشهير بمستشفى الدمرداش.



ظل الجيران الذين يحملون الطفل فى بهو استقبال الدمرداش لا أحد يلتفت إليهم إلى أن وصلت جدة الطفل ووجدته بنفس الحال الذى شاهدته عليه عقب الحادث والدماء تنزف من وجهه ورأسه وحكت لى أنها لجأت إلى الصراخ بأعلى صوت قائلة إن الطفل يموت حتى تلفت الأنظار، فحضر إليها فعلاً أحد الأطباء الشبان الموجودين وهم من أطباء الامتياز تحت التدريب فطمأنها وأعطاها قطعتى شاش لتضغط بهما على أماكن النزف، وأخرج من جيبه ورقة بيضاء كتب فيها أن حفيدها يحتاج أولاً إلى أشعة مقطعية على الرأس وأشعات على معظم مناطق الجسم، وطلب منها الذهاب إلى الخزنة فطلبوا منها ٤٥٠ جنيها لعمل المطلوب، أخذوا يجمعونها من بعضهم البعض ويجرون اتصالات حتى يحضر أحد ومعه نقود..


المهم أنه بعد مرور وقت غير قليل تمكنوا من جمع المبلغ وتم بعد دفعه عمل المطلوب وأخبرهم الأطباء الصغار بأنه لا توجد إصابات بالجمجمة أو داخلها وأن الحالة هى فقط جروح قطعية ومتهتكة بالوجه وفروة الرأس وكسر بالساق. طلب الأطباء من الأهل الذهاب إلى إحدى الصيدليات خارج المستشفى لشراء خيوط جراحية وسرنجات وأمبول دواء مسكن وشفرة حلاقة لإزالة الشعر حول جروح فروة الرأس.. ذهب أحد الجيران الذى تصادف أن معه موتوسيكلاً لإحضار هذه الأشياء حيث إن أقرب الصيدليات خارج المستشفى تحتاج إلى ما يقرب من نصف الساعة مشياً على الأقدام للذهاب إليها ومثلها للعودة. أخبر طبيب آخر الجدة بأن عليه أن يذهب بالأشعات إلى من هو أكبر منه لسؤاله عن كيفية التعامل مع كسر الساق، واختفى بعض الوقت ثم عاد ليبشرها بأن الكسر لا يحتاج لجراحة وإنما سوف يتم وضع جبس له ونصحهم بعمل كمادات ثلج على الساق أولاً وأن عليهم شراءه..


 ذهب الجار صاحب الموتوسيكل مرة ثانية وغاب مدة طويلة وعاد مرهقاً لأنه كما حكى مر على أكثر من محل عصير رفضت جميعاً بيع ثلج له حتى أكرمه الله ببائع ووافق على بيع ربع لوح ثلج له.. بعد حوالى ساعة من عمل الكمادات جاء الطبيب ليقرر أنه يمكن الآن عمل الجبس وأخرج من جيبه ورقة كتب عليها ما يحتاجه من أربطة جبس وقطن، واضطر الشاب الطيب صاحب الموتوسيكل للذهاب مرة ثالثة لشراء المستلزمات المطلوبة.. المهم أنه فى النهاية عادت الجدة والجيران بالطفل بعد حوالى ست ساعات أنفقوا خلالها ما يقرب من ٩٠٠ جنيه وهم يحمدون الله كعادة الشعب المصرى الطيب على الرغم من كل ما عانوه وما أنفقوه، وعلى الرغم من أن الطفل ظل يصرخ طوال الليل بسبب الجبس الذى اضطررت لشقه فى اليوم التالى فى عيادتى الخاصة، حيث كان الجبس ضيقاً ويمكن أن يعرضه لمضاعفات خطيرة. إننى أهدى هذه القصة التى يحدث مثلها كثير جداً بطول البلاد وعرضها يومياً للسادة المرشحين، ليسأل كل منهم نفسه بمنتهى الصراحة: هل أستطيع فعلاً أن أقدم شيئاً لفقراء هذا الوطن يجنبهم الذل والمهانة والسؤال، ويجعل مؤسسات الدولة تتعامل معهم بالحد الأدنى من الكفاءة والمعاملة الإنسانية التى تحرص على كرامتهم ويشعرون معها بأن هناك ثورة قد قامت تضع الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية على رأس أولوياتها.


إن القصة تلخص مأساة الرعاية العلاجية فى مصر، خاصة للفقراء ومحدودى الدخل، من غياب لمفهوم الحالات الطارئة لدى المؤسسات الطبية إلى انعدام الإمكانيات الطبية حتى الأساسية منها إلى النقص المريع فى تدريب الأطباء وتأهيلهم بما فى ذلك القدرة على التواصل الإنسانى مع المرضى ومبادئ الجودة والأخلاقيات الطبية وهى كلها أمور متوقعة فى ظل رواتب هزيلة مخزية يحصلون عليها هم وجميع أفراد الفريق الطبى الذى يتعامل مع المرضى. بكلمات أخرى بسيطة ومحددة، إن منظومة الرعاية العلاجية كلها فى مصر تحتاج إلى تغيير جذرى يقتلع الأوضاع الفاسدة الحالية من جذورها ويعيد بناء المنظومة على أسس جديدة وحديثة..


فهل من السادة المرشحين من يفكر فى ذلك أم أن جل تفكيرهم هو كيف يقفزون على كرسى الرئاسة؟ وهل منهم من لديه الرؤية الواضحة والتصميم الأكيد على فعل شىء من أجل صحة هذا الشعب بعيداً عن الشعارات والكلمات الجوفاء وتسويق الأوهام؟


■ بلاغ إلى المجلس العسكرى: نشرت صحيفة الأهرام يوم ٩/٥ ببنط عريض ينقل عن الفريق متقاعد أحمد شفيق قوله إنه قادر على القضاء على كل أشكال البلطجة وجمع البلطجية خلال أربع وعشرين ساعة إذا ما أنتخب رئيساً، وفى نفس اليوم ذكرت صحف أخرى نقلا عن المجلس القومى لحقوق الإنسان أن هناك مجموعة من رجال المال والأعمال المرتبطين بالنظام الفاسد وأعوانه، حددوا أربعة أسماء منها تقوم بتمويل وتحريك هؤلاء البلطجية، فهل يمكنكم أيها السادة الأفاضل أعضاء المجلس العسكرى طلب المعونة من هذا المرشح لوقف أعمال البلطجة والإجرام التى زادت هذه الأيام انتظاراً للمخلص الذى سيحل كل مشاكل مصر فى شهر واحد وبالتليفون! والله الموفق والمستعان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق