اخر الاخبار

20‏/05‏/2012

مرشح ثورى أم مؤمن بالثورة؟ بقلم د. عمرو الشوبكى


يصر البعض على تكرار تجارب الفشل كأننا لم نتعلم شيئاً من دروس التاريخ، فهناك من يحرص على أن يبدأ الفيلم من أوله، من حيث عاشت أفغانستان والسودان تجارب فاشلة تحت غطاء الدين، والبعض الآخر مازال يبحث عن نظام ثورى يكرر به تجارب فشل أخرى، من حيث بدأ القذافى الثائر وصدام الثورى وكل التجارب التى حصنت استبدادها تحت مسمى الشرعية الثورية، من روسيا الشيوعية التى انهارت حتى كوريا الشمالية التى تبرر ديكتاتوريتها تحت مسمى «النظام الثورى».



وفى مصر هناك حديث عن المرشح الثورى دون تدقيق أو تمحيص فى معانى الثورة الحقيقية، فالثورة حدث استثنائى كبير تضطر إليه الشعوب حين تشعر بالقهر والتهميش، وبعدها تصبح مهمتها هى بناء الديمقراطية ودولة القانون وليس دولة الثورة والقوانين الاستثنائية.


والمؤكد أن التجارب التى نجحت هى التى حولت طاقة الثورة ومبادئها إلى مشروع سياسى واقتصادى لنهضة البلاد والعباد، فى حين أن التجارب الفاشلة هى التى حولت الثورة من قيم ومبادئ ملهمة للمجتمع ككل إلى أيديولوجية سياسية تبرر ديكتاتورية الحكام تحت دعاوى الحفاظ على الثورة.


ورغم أن حجة كثير من المستبدين، من ستالين الشيوعى إلى القذافى القومى، كانت بناء المجتمع الثورى «الخالى من الشوائب» بقتل الناس وقمعهم، إلا أننا اكتشفنا أن هذا المجتمع لم ولن يوجد، لأن طبيعة المجتمع البشرى لم تكن مثالية أو نقية.


فهناك مجتمعات متقدمة وأخرى متخلفة، وهناك نظم ديمقراطية وأخرى مستبدة، وهناك مجتمعات ثرية وأخرى فقيرة، لكن لا يوجد مجتمع واحد فى حالة ثورة دائمة أو مجتمع واحد مثالى عرفته البشرية.


صحيح أن العالم عرف تجربتين ثوريتين بشرتا بهذا المجتمع: الأولى فى أوائل القرن الماضى، حين نجح البلاشفة فى روسيا ١٩١٧ فى الوثوب للسلطة، وقاموا بإسقاط النظام والدولة من أجل بناء المجتمع الاشتراكى الثورى النقى، فانقسم الجيش بين جيش أحمر وآخر أبيض وسقط مئات الآلاف من القتلى، وسيطر فى النهاية الحزب الشيوعى على السلطة وأعاد بناء الدولة على أسس جديدة بشرت على الورق بالمجتمع الثورى الاشتراكى، وعلى الأرض بنت المجتمع البيروقراطى الذى لم يخل من إنجازات، إلا إنه فى النهاية لم يكن مثالياً ولا ثورياً.


أما التجربة الثانية فهى تجربة الثورة الإيرانية فى ١٩٧٩ التى شارك فيها ٦ ملايين مواطن من أصل حوالى ٣٠ مليوناً «عدد سكان إيران فى ذلك الوقت»، وسقط فيها ٧٠ ألف شهيد وامتلكت قيادة تاريخية قادت الفعل الثورى، منذ عام ١٩٦٣، من خلال مشروع أيديولوجى متكامل، ومع ذلك ورغم إنجازاتها لم تنجح فى بناء المجتمع الثورى الإسلامى النقى الذى بشرت به، إنما مجتمع فيه بعض الجوانب الإيجابية التى لا تخلو من سلبيات كثيرة. إن البحث عن مرشح ثورى فى مصر يؤسس لمرحلة استثنائية قد تقضى أولاً على فلول النظام القديم ثم تقضى بعد ذلك على المخالفين فى الرأى تحت حجة بناء نظام ثورى.


نعم مصر تحتاج إلى مرشح مؤمن بقيم ومبادئ ثورة ٢٥ يناير كوسيلة لبناء نظام ديمقراطى ودولة القانون، وليس مرشحاً ثورياً يضع على رأسه ريشة على خلاف خلق الله من المواطنين العاديين، فيعيد إنتاج نظم الفشل والاستبداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق