اخر الاخبار

12‏/05‏/2012

المناظرة والرئيس «يعقوب» بقلم صلاح عيسى




فى المناظرة التليفزيونية المشوِّقة، التى نظمتها قنوات «دريم» و«أون تى فى» وصحيفتا «الشروق» و«المصرى اليوم» بين مرشحى الرئاسة «عمرو موسى» و«عبدالمنعم أبوالفتوح»، وأذيعت، مساء أمس الأول، توقفت أمام بعض النقاط التى أثارت الجدل بينهما، وتثيره بين آخرين غيرهما.


من بين هذه النقاط الموقف من النص الوارد فى المادة الثانية من دستور ١٩٧١، التى انتقلت بنصها ورقمها إلى الإعلان الدستورى القائم، ويقول: «ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، فمع أن كلا المتناظرين قد أعلن تمسكه
بالنص، إلا أن تعبيره عن ذلك، كان محل تساؤل ـ أو غمز ـ الطرف الآخر، فأخذ «أبوالفتوح» على «موسى» قوله إنه يلتزم بأن تكون «المبادئ العامة» للشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، متسائلاً عن المبرر الذى دفعه إلى تغيير التعبير الذى ورد فى الدستور من «مبادئ الشريعة» إلى «المبادئ العامة للشريعة»، ورد «موسى» التحية ـ أو الغمزة ـ لمنافسه، فسأله عن السبب الذى دفعه إلى القول بأنه سيعمل على أن تكون «الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، ولماذا حذف كلمة «مبادئ» التى وردت فى النص الدستورى.. فبدا وكأن كل طرف من الطرفين ينسب للآخر أنه قد أضاف أو حذف كلمة من المادة لغرض فى نفس الرئيس يعقوب..


ومع أن التوافق قد جرى بين كل القوى والتيارات السياسية، بما فى ذلك كل المرشحين، على الإبقاء على المادة الثانية من دستور ١٩٧١، بالنص الذى استقرت عليه، منذ أُدخل عليها تعديل ١٩٨٠، وعلى نقلها ـ بهذا النص نفسه ـ إلى الدستور الجديد، من دون حذف أو إضافة، وإذا كان ولابد فيمكن أن تضاف إليها فقرة تضمن حق غير المسلمين فى الاحتكام إلى شرائعهم، فى العبادات والأحوال الشخصية، وهو ما اقترحه «عمرو موسى» أثناء المناظرة، إلا أن ذلك لم يحل بين عناصر من التيار السلفى وبين المطالبة بحذف كلمة «مبادئ» من بداية النص الدستورى، لتحل محلها كلمة «أحكام»، أو حذفها من دون أن يحل محلها شىء، بحيث تكون «أحكام الشريعة» ـ وليس مجرد مبادئها ـ هى المصدر الرئيسى للتشريع أو تكون «الشريعة الإسلامية ـ وليس مبادئها أو أحكامها ـ هى هذا المصدر».


والتعديل المقترح ليس مجرد استبدال ألفاظ بأخرى، ولكنه محاولة للتغلب على تفسيرات المحكمة الدستورية العليا، لنص المادة، منذ أدخل عليها تعديل ١٩٨٠، الذى حوّل «مبادئ الشريعة الإسلامية» من «مصدر رئيسى للتشريع» إلى «المصدر الرئيسى للتشريع»، وهى تفسيرات ذهبت إلى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى «الأحكام الشرعية القطعية فى ثبوتها ودلالتها التى تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التى لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً»، واستثنت المحكمة الدستورية من ذلك أحكام الشريعة الإسلامية الظنية، أى غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معاً، إذ هى أحكام يجوز فيها الاجتهاد، لأنها أحكام متطورة بتطور الزمان والمكان، على أن يكون هذا الاجتهاد فى إطار الأصول الكلية للشريعة، بما يكفل صون المقاصد العامة للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال. وأجازت أحكام الدستورية للمشرع أن يختار مذهباً دون آخر أو أرجح الأقوال فى مذهب وفقاً لما يراه ملائماً لظروف المجتمع، وأباحت له أن يأخذ بأقوال الفقهاء من غير المذاهب الأربعة.. وأكدت أن اجتهادات السابقين ـ فى الأمور الظنية ـ لا يجوز أن تكون مصدراً نهائياً لاستمداد الأحكام العملية، وأن من حق ولى الأمر أن يشرع على خلافها وأن ينظم شؤون العباد طبقاً للمصالح المعتبرة التى تتلاقى مع مقاصد الشريعة.


ولا معنى للمطالبة بحذف كلمة «مبادئ» من المادة الثانية من الدستور أو استبدال كلمة «أحكام» بها، إلا أن الذين يطالبون بذلك، يريدون للدستور أن يلزم المشرّع بأن يأخذ بالأمور ظنية الثبوت ظنية الدلالة وأن يجبره على أن يعتمد تفسيراتهم المذهبية للشريعة الإسلامية، فيصادر حق أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى فى أن يعبروا عن آرائهم، وحق جميع المسلمين فى الاجتهاد فى شؤون دينهم، بما يتواءم مع تغير الزمان والمكان، مادام يحقق مقاصد الشريعة.


باختصار ووضوح ومن الآخر.. لا يكفى أن يعلن المتنافسون على الرئاسة أنهم يلتزمون بالمادة الثانية من الدستور، بل لابد أن يعلنوا صراحة أنهم يلتزمون بها طبقاً للتفسير الذى أخذت به المحكمة الدستورية، وأن يطبق الذين يعلنون منهم أنهم يخوضون معركة الانتخابات الرئاسية لكى يطبقوا الشريعة، ذلك على برامجهم الدنيوية التى يطرحونها على الناخبين ليتعرفوا على طبيعة فهمهم للشريعة، وأسلوب تطبيقهم لها، ويطمئنوا إلى أن الهدف هو وجه الله عز وجل، ووجه الشعب، وليس استغلال اسميهما لغرض غامض فى نفس الرئيس يعقوب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق