اخر الاخبار

18‏/05‏/2012

الانتخابات الرئاسية.. واللجنة «الأسطورية» بقلم د. وحيد عبدالمجيد


هدأت إلى حد كبير الأزمات التى أثارها تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية ضد الطعن القضائى عليها. ولكنه الهدوء الذى يتمنى الجميع ألاَّ يكون من النوع الذى يسبق العاصفة. فالنار قد تكون تحت الرماد بسبب الحصانة الفائقة التى حذرت محكمة القضاء الإدارى فى أحد أحكامها الأخيرة من أنها قد تجعل لجنة الانتخابات بمثابة «لجنة أسطورية لا سقف لاختصاصاتها ولا حدود لرغبتها».


وربما يكون هذا المعنى الوارد فى حيثيات الحكم أكثر أهمية من منطوقه، خصوصا بعد أن أوقفت الإدارية العليا تنفيذه السبت الماضى، لأنها وجدت أن المحكمة الدستورية هى المختصة بالموضوع. فالمعنى المقصود هنا يؤكد أن المخاوف الناتجة عن تحصين قرارات لجنة الانتخابات ليست مجرد هواجس مرضية، أو محاولات للتشكيك. كما يكشف حقيقة هذه القرارات باعتبارها قرارات إدارية لا يصح تحصينها ابتداء ضد رقابة القضاء.


غير أنه لم يكن فى إمكان محكمة القضاء الإدارى، ولا هو دورها، أن تتوسع فى شرح الأخطار التى قد تترتب على تحصين قرارات اللجنة. ولذلك اكتفت بالتحذير الصريح من توسع اللجنة المحصنة فى ممارسة ما لا يدخل فى اختصاصاتها، مع التنبيه ضمناً إلى الأخطار المحتملة التى قد تترتب على حرمان أى مرشح يشك فى نتائج الانتخابات من الوسيلة الوحيدة لقطع الشك باليقين.


فقد اهتدت البشرية عبر تجاربها التاريخية إلى ضرورة أن يكون هناك حكم محايد بين المتنازعين، وألاَّ يكون هذا الحكم خصماً فى الوقت نفسه. وثبت تاريخياً أن هذا أمر لا بديل عنه للسلم الأهلى.


وهذا هو مصدر الأخطار الكامنة فى تحصين قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية دستورياً من خلال المادة ٢٨ التى صارت هى الأكثر شهرة فى الإعلان الدستورى الصادر فى مارس ٢٠١١.


ولم تكن «فتنة» جنسية والدة المرشح المستبعد حازم أبو إسماعيل إلا «بروفة» صغيرة لأخطار أكبر قد تترتب على هذا التحصين. فلو كان الطعن على قرارات اللجنة أمام القضاء ممكناً، ربما أمكن تجنب التوتر الذى أثاره قرار استبعاد هذا المرشح. ولكن حرمان المرشحين من هذا الحق دفعه إلى التحايل على منع الطعن على قرار اللجنة بعد إصداره فلجأ إلى محكمة القضاء الإدارى غير المختصة فى محاولة لاستباق هذا القرار. وكان محكوماً على هذه المحاولة بالفشل. ولكنها قد تكون مؤشراً ذا مغزى. فلو أن باب الطعن على قرار اللجنة مفتوح، لربما أمكن تجنب لجوء بعض أنصاره إلى الشارع للاحتجاج الذى زاد على حده وأدى إلى تصعيد قاد فى النهاية إلى الأحداث الدامية فى العباسية.


ولذلك فالسؤال الآن هو عما يمكن أن يحدث إذا رفض أحد المرشحين أو بعضهم نتائج الانتخابات التى ستجرى يومى الأربعاء والخميس القادمين فى غياب الحق فى اللجوء إلى القضاء. فعندما تعلن لجنة الانتخابات هذه النتائج، سيصعد مرشحان على الأرجح إلى جولة الإعادة لصعوبة حصول أى مرشح على أكثر من ٥٠ فى المائة من أصوات الناخبين. ويعنى ذلك أن ١١ مرشحا سيخرجون من السباق الانتخابى خاسرين. فكيف يكون الحال إذا نزل أنصار بعضهم إلى الشارع رافضين النتائج المعلنة سواء كانوا على حق أو باطل فى غياب القضاء الذى يقطع الشك باليقين.


ولا حجية، هنا، للتذرع بعامل الوقت. فكان ممكناً، ولا يزال، تخصيص دائرة محددة فى المحكمة الإدارية العليا لتلقى الطعون خلال يومين من إعلان النتائج وإصدار أحكامها خلال أسبوع، على أن يكون حكمها نهائيا.


ولا يزال هذا ممكنا لتجنب خطر كامن يمكن أن يهدد الانتخابات ومستقبل البلاد إذا احتج بعض المرشحين على نتائج الجولة الأولى، أو إذا لم يقبل المرشح الخاسر فى جولة الإعادة نتيجتها، خصوصا فى حالة وجود فرق ضئيل بين ما سيحصل عليه المتنافسان فيها، كما حدث مثلا فى الانتخابات الفرنسية حيث كان هذا الفرق أقل من ٢ فى المائة «٥١.٩% للفائز هولاند و٤٨.١% لساركوزى».


فالثقافة السياسية السائدة فى مصر لا تضمن أن يكون تصرف المرشح الخاسر فى جولة الإعادة حضاريا ومماثلا لسلوك ساركوزى. وحتى حين تكون الثقافة السائدة ديمقراطية، يظل القضاء هو الضمان النهائى حتى فى أكثر الدول حرية.


فلم يكن ممكنا على سبيل المثال حل النزاع الذى حدث بين بوش وآل جور بشأن سلامة فرز الأصوات فى ولاية فلوريدا التى حسمت النتائج النهائية دون اللجوء إلى المحكمة العليا.


أما فى غياب دور القضاء، فسيكون سهلاً التشكيك فى نتائج أول انتخابات رئاسية تنافسية فى تاريخنا، وسيبقى الخوف مقيماً فى داخلنا إلى أن نعبر الجولة الأولى، وستظل أنفاسنا محبوسة حتى انتهاء جولة الإعادة بسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق