اخر الاخبار

19‏/05‏/2012

سوق انتخابات الرئيس وبذور وفاق وطنى





شاهد ثمانون مليون عربى المُناظرة التى تمت بين اثنين من مُرشحى رئاسة جمهورية مصر العربية، مساء يوم 14/5/2012، هما السيد عمرو موسى، أمين عام جامعة الدول العربية السابق، ود. عبدالمنعم أبوالفتوح النائب السابق لمُرشد جماعة الإخوان المسلمين. وأدار المُناظرة بكفاءة الإعلاميان البارزان: منى الشاذلى، ويُسرى فودة.



ومع ظهور هذا المقال ستكون قد نُشرت عشرات المقالات والتعليقات حول تلك المُناظرة التاريخية غير المسبوقة فى مصر، أو الوطن العربى، حيث لم نشهد فى تاريخنا، انتخابات تنافسية على أعلى منصب فى البلاد، طوال تاريخنا المُسجل. هذا فضلاً عن أنه لم تكن وسائل الاتصال الإلكترونية الجماهيرية موجودة، ولا حُرية الإعلام مُتاحة، على هذا المُستوى، قبل ثورات الربيع العربى.


وبصرف النظر عن أداء كُل من عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح فى تلك المُناظرة، فإن الرابح الأكبر، كما قال بعض المُشاهدين، هو الرأى العام المصرى، الذى شاهد أداء المُرشحين، وآراءهما فى شتى القضايا المحلية والعربية والدولية، ولا شك أن ذلك يُساعده على اتخاذ قرار كل مواطن، بمزيد من الرُشد.


ولا يقلّ عن ذلك أهمية أن تقليداً سياسياً جديداً قد بدأ فى مصر، وأظن أنه سيستمر، وسينتشر إلى بقية بُلدان المنطقة العربية والأفريقية والإسلامية، التى أخذت بالتعددية السياسية بالفعل، أو هى فى طريقها إلى تلك التعددية، فمثل هذه المُناظرات التليفزيونية بدأت عام 1960، لأول مرة فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، بين مُرشحى الحزبين الرئيسيين، وهما الديمقراطى جون كنيدى، والجمهورى ريتشارد نيكسون، والتى فاز فيها فى أواخر نفس العام السيناتور جون كنيدى رغم أن نيكسون كان بالفعل نائباً للرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور.


وقد استمر هذا التقليد فى أمريكا منذ ذلك الوقت ـ أى على امتداد أكثر من نصف قرن. بل انتقل منها إلى الديمقراطيات الغربية الأخرى، ومع استقراره فى الولايات المتحدة، تأسست له وكالة مُتخصصة، بعد أن كانت تقوم به فى السنوات العشرين الأولى مُنظمة نسائية غير حكومية، هى «رابطة الناخبات الأمريكيات» (League of American Women Voters). وأصبحت لتلك المُناظرات قواعد وتقاليد مُستقرة، ويتم تجويدها وتعميقها باستمرار وساعد على هذا التجويد تقدم وسائل القياس والضبط الزمنى الإلكترونى، واستفتاءات الرأى العام.


وحسناً فعلت الجهات التى شاركت فى تنظيم مُناظرة «عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح»، أنها استعانت بداية بمركزين من مراكز قياس الرأى العام- هما مركز «بصيرة»، و«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، لمعرفة الاثنين الأجدر من بين المُرشحين الرسميين، الثلاثة عشر، للبدء بهما، واللذين كانا عمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح.


ثم كانت صياغة قواعد المُناظرة وكل تفصيلاتها بموافقة الطرفين المُتناظرين، وقد تم شرح كل هذه الترتيبات بواسطة الإعلامى القدير حافظ المرازى، والإعلامية الوقورة منى الشاذلى، كما شارك أساتذة وخُبراء إعلام آخرون فى شرح وتوضيح تلك الإجراءات للمُشاهدين.


وكان ذلك فى حد ذاته جُزءاً مهماً من عملية التعليم السياسى الديمقراطى، وما كان لهذا وذاك أن يحدثا، لو لم يكن هناك إعلام حُر وما كان للإعلام الحُر أن يكون موجوداً لولا قيام ثورة اللوتس المصرية فى يناير 2011، وكسر احتكار الدولة لوسائل الإعلام. فالجدير بالذكر أن صحيفتى «المصرى اليوم» و«الشروق»، وقناتى«ON.TV» و«دريم» هى كلها مملوكة للقطاع الخاص.


وإذا كانت هناك مخاوف من ملكية القطاع الخاص لوسائل الإعلام، ولاحتمال توظيفه لخدمة «الرأسمالية الاحتكارية»، فإن المُناظرة بين موسى وأبوالفتوح، جاءت لتقلل من تلك المخاوف، فقد تضافرت فى ذلك الحدث كل من «الخدمة العامة» للمجتمع، مع «المنفعة الخاصة» لأصحاب وسائل الإعلام المذكورة. وهو تأكيد للمبدأ الذى أصبح الآن شاسعاً فى الديمقراطيات الناضجة، ويُعرف باسم «المسؤولية الاجتماعية لرأس المال» (Social Corporate Responsibility) وللشركات الخاصة.


كانت زوجتى الأمريكية- المصرية، والتى تُجيد العربية، تشاهد المُناظرة باهتمام شديد. وأثناء الاستراحة، حرصت على الاتصال هاتفياً بكل الأقارب فى قريتى (بدين)- دقهلية، وفى المنصورة والإسماعيلية، والإسكندرية للتأكد أولاً، من أنهم يُشاهدون المُناظرة. وفعلت نفس الشىء مع ابننا المهندس أمير فى إسبانيا، ثم اتصلت بعد انتهاء المُناظرة لمعرفة رأى كل منهم، فيمن فاز؟


وسعدت هى جداً، لاختلاف الآراء والتقييمات، وقالت لىّ: «هكذا أطمئن على أن الديمقراطية تتوطّد، فلا ديمقراطية بلا اختلاف. واستغربت أنها لم تسألنى عن رأيى فى المُناظرة. فقالت لىّ: لأنك تعرف عمرو موسى شخصياً، وربما أثر ذلك على رأيك. ففاجأتها بأننى أيضاً أعرف عبدالمنعم أبوالفتوح شخصياً، وسبق لىّ دعوته إلى الجامعة الأمريكية، ثم إنه «رفيق سجون»، فقد تزاملت مع عدد من قادة الإخوان المسلمين والجهاديين فى سجون مُبارك (2000/2003).


وفى كل الأحوال فإننا نعيش عُرساً حقيقياً للديمقراطية، وإذا كان بعضنا تنتابه الحيرة للاختيار بين هذا وذاك، فإن هذا فى حد ذاته ظاهرة صحية، فالديمقراطية هى اختيار بين بدائل، وتلك الحيرة معناها أن لدينا «بوفيه» مفتوحاً، بدلاً من وجبات الصنف الواحد فطوراً وغداء وعشاء لمدة ثلاثين عاماً.


سعدت أيضاً بما أحدثته ثورة يناير، من حالة من التعبئة السياسية لكل المصريين، فبعد أن كان الاهتمام بالسياسة محصوراً فى النخب التى لا تتجاوز معاً عشرة فى المائة من السكان، إلا أننا الآن فى مشهد يهتم فيه 99٪ من السُكان بالسياسة، من ذلك أننى من طريقى بين القاهرة وقريتى بدين كنت أجد على الطريق لافتات ما لا يقل عن ستة من المُرشحين، كذلك أدهشنى تفانى شباب وشابات وأطفال من حزب الحُرية والعدالة، الذين يحملون لافتات مُرشح حزبهم على الطريق، فهى ظاهرة غير مسبوقة، فالفتيات والنساء اللاتى يقفن على الطريق، هن مظهر من مظاهر تلك التعبئة العامة، وربما ما أسعدنى هو أنه مهما كان موقف الإخوان من المرأة ومن حقوقها التى ينبغى أن تكون متساوية تماماً مع الرجل، فإننى أشك كثيراً أنهم سيستطيعون أن يتحكموا فى وجدان وعقول وسلوك الآلاف، إن لم يكن ملايين الفتيات اللاتى استغلوهن فى الدعاية لحزبهم، ولذلك أرجو من د. محمد مرسى، كما من كل المُرشحين الإسلاميين، أن يتصالحوا مع نساء الأمة وأقباطها بوعود صريحة، وأنه وحزبه سيحترم حقوق المواطنة كاملة غير منقوصة لهم.


وعلى الله قصد السبيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق