اخر الاخبار

27‏/03‏/2011

إنصاف حسنى مبارك/سليمان جودة


شاع بين الناس، لفترات طويلة، أن الملك فاروق لم يكن يفارق الخمر، وكان يطارد النساء، وكان يملك قوة أسطورية تعود إلى أنه كان يتناول «خلاصة خروف مشوى»
فى فنجان، كل صباح
!
وقد احتاج الأمر إلى ٥٥ سنة، حتى تأتى كاتبة محترمة هى الدكتورة لميس جابر، ثم تثبت، من خلال مسلسلها الشهير عن فاروق، أن كل ما شاع بين الناس عن الملك، بخصوص هذا الشأن، كلام فارغ فى كلام فارغ، وأن أغلب ما كان يتردد عنه كان عبارة عن مجموعة من الأكاذيب، لا تعرف مَنْ بالضبط الذى أشاعها بين المصريين، ولا مَنْ الذى ظل يغذيها كل هذه السنين؟
!
تذكرت هذه القصة، حين قرأت عن أن ميزانية رئاسة الجمهورية فى عهد حسنى مبارك، كانت ٤٠ مليار جنيه.. نعم ٤٠ ملياراً.. يعنى ٤٠ ألف مليون جنيه فى السنة، وقد رحت أحسبها بالورقة والقلم، فاكتشفت أن هذا معناه أن الرئاسة كانت تنفق ١٠٠ مليون جنيه على الأقل، كل يوم، ثم رحت أتخيل الكيفية التى يمكن بها إنفاق مبلغ بهذا الحجم، مع طلعة كل نهار
!
وربما كان الشىء المحزن حقاً، ليس فى أن صحيفة نشرت هذا الرقم، ففى إمكان أى صحيفة أن تنشر أى شىء هذه الأيام، ولكن هناك فرقاً بين أن يتم نشر أشياء من هذا النوع، وبين أن نتعامل معها على أنها حقائق، ونظل نبنى فوقها، فإذا بنا نكتشف، فى النهاية، أننا نبنى فوق رمال من الأوهام
!
ليس هذا فقط، وإنما وصل الجنون، فى أيامنا هذه، إلى أن هناك مَنْ راح يتصور، أن الـ٤٠ ملياراً الخاصة بميزانية الرئاسة فى العام الحالى، موجودة فى خزينة الرئاسة الآن، وبالتالى يمكن تقسيمها فوراً إلى ٢٠ ملياراً لكذا.. و٢٠ ملياراً لكيت
!
ولأن الحكاية كانت مستفزة للغاية، ومهينة لعقولنا إلى أبعد حد، فقد فكرت فى أن أتقصّى لأعرف حقيقة الرقم، وما إذا كان حقيقة فعلاً أم لا؟
!
رغم يقينى مسبقاً، أنه يستحيل بالعقل، أن يكون صحيحاً، ويستحيل بالمنطق أن يكون نصفه صحيحاً، ولا حتى ربعه أو ١٠٪ منه إجمالاً
!
سألت الدكتور زكريا عزمى، عن حقيقة الرقم، فكانت مفاجأة من العيار الثقيل، إذ تبين أن ميزانية الرئاسة ٣١٦ مليون جنيه سنوياً، وحين رحت أقارن بين ٣١٦ مليوناً، وهو الميزانية الحقيقية على مسؤولية د. زكريا، وبين ٤٠ ملياراً، وهو الرقم الذى شاع بين الناس، كما شاعت حكايات فاروق زمان، اتضح أن الرقم الحقيقى لا يمثل نصف الرقم الشائع، ولا ربع الرقم، ولا ١٠٪ منه، ولا حتى ١٪، لأنه، عندما تحسبها، سوف تجد أنه أقل من ١٪
!!
سألت نفسى: هل سوف نكون بالتالى فى حاجة إلى ٥٥ عاماً، لكى يأتى فيما بعد، من ينصف حسنى مبارك، كما أنصفت لميس جابر، الملك فاروق؟
!..
أقول - مرة أخرى - إنصافه، لا امتداحه نفاقاً، ولا الهجوم عليه تجنياً.. فقط الإنصاف الذى هو حق أصيل لك، ولكل إنسان، وليس لمبارك وحده

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق