اخر الاخبار

30‏/03‏/2011

جريمة قنا‏..‏ بروفةليس إلا‏!‏ / احمد عبد المعطي حجازي

احمد عبد المعطي حجازي
إذا كان طغيان مبارك والذين سبقوه قد أنهك المصريين وأذلهم وبدد ثرواتهم واستنفد قدرتهم علي الاحتمال
 ودفعهم أخيرا إلي الثورة, فأثقل منه وطأة وأشد نكالا طغيان الجماعات الدينية التي استغلت ما هيأته لنا الثورة من حرية في خداع المصريين
والعبث بمقدراتهم والقذف بمستقبلهم في جحيم التطرف والتعصب والعنف والاتجار بالدين وتأجيج نار الفتنة الطائفية المشتعلة بالفعل. والخروج علي الدولة وعلي جميع سلطاتها ومؤسساتها كما حدث من قبل, وكما رأينا أخيرا في قنا.

لقد أقام الذين يسمون أنفسهم سلفيين في قنا دولة داخل الدولة, واخترعوا لها القوانين, ونصبوا المحاكم, وساقوا لها المتهمين, وأدانوهم, وحكموا عليهم, ونفذوا الأحكام, وقطعوا الآذان, ثم استدعوا ممثلي الأمن العام, والقوات المسلحة, ورجال الدين الرسميين, والنواب السابقين وغيرهم من رجال الدولة الغائبة ليحضروا المصالحة التي لم يكن لها معني إلا إقرار الحاضرين بعجزهم وتسليمهم بأمر واقع يريد انتزاع الاعتراف بشرعيته!
كيف نسمي ماحدث في قنا؟ لقد سمته الأهرام في صفحتها الأولي جريمة نكراء لا, فهو لم يكن مجرد جريمة استهدفت شخصا أو أشخاصا, وإنما كان انقلابا علي الدولة, وعدوانا علي المصريين جميعا يستحق أن نستنكره ونضرب علي أيدي المعتدين.
طغيان صارخ بأسم الدين. والوصف الأدق أنه بلطجة باسم الدين. تمثيلية وحشية يتجمع فيها الممثلون من الشباب الذين ضلل المشايخ عقولهم, وأفسدوا مشاعرهم, وأعادوهم همجا بدائيين يخرجون علي القانون, ويتهيجون حين يرون أي مخالف, ويتحولون بالإثارة إلي ذئاب جائعة ووحوش كاسرة.
والتمثيلية الوحشية التي شهدتها قنا ليست إلا البروفة الجنرال أو التجربة الأخيرة للعرض الكبير الذي تضع الجماعات الدينية الآن لمساته النهائية وتستعد لتقديمه في مصر كلها, حين تستولي هذه الجماعات علي السلطة, وتسوقنا جميعا إلي المحاكمات, وتصلم آذاننا, وتجدع أنوفنا, وتسمل عيوننا, وتبتر أرجلنا وأيدينا. فما دامت هذه الجماعات ترفع شعارات الدين وتستولي علي السلطة باسمه فكل شئ جائز, وكل شيء مباح. فإن كنا نريد الديمقراطية التي ثرنا من أجلها علي نظام مبارك وأسقطناه فليس صعبا علي هذه الجماعات أن تسمي ماتفعله ديمقراطية, وأن تضلل البسطاء, وتحدثهم عن الشرع والشرف, وتهيجهم, وتحصل علي تأييد الكثيرين منهم كما حدث كثيرا عندنا وعند غيرنا.
والفرق دقيق بين الديمقراطية والديماجوجية ـ أي الغوغائية, ولايكاد يري في بعض الأحيان, فهما مشتقتان كلاهما من أصل واحد هو كلمةDEMOS اليونانية, ومعناها الشعب, غير أن هذا الفرق الدقيق بين الديمقراطية والغوغائية فرق بعيد, في الديمقراطية يحتكم الشعب للقانون, وفي الغوغائية يحتكم لغرائزه ويستجيب لمن يتملقه وينافقه ويكذب عليه ويهيجه, فإذا كان مفهوما أن تلعب جماعات الاسلام السياسي بالكلمات, وتكذب علينا لتستولي علي السلطة وتخدعنا باستعدادها للتصالح مع الديمقراطية والدولة المدنية فليس مفهوما أن نكذب نحن علي أنفسنا وننخدع بما تقوله هذه الجماعات التي تناقض نفسها بنفسها, وتكذب أفعالها أقوالها,( بضمة علي اللام الأولي وفتحة علي اللام الأخيرة!)
ونحن نعرف أن هذه الجماعات كانت دائما في المعسكر المعادي للدولة المدنية وللديموقراطية. لأن الدولة المدنية تقوم علي أساس الاعتراف بوجود جماعة وطنية اتحدت إرادة أبنائها علي أختلاف عقائدهم الدينية وتعدد مصالحهم ومذاهبهم السياسية علي أن يعيشوا معا في ظل سلطة تضمن لهم الأمن والحرية والعدالة, ولن تكون هذه السلطة معبرة عن إرادة الجماعة الوطنية محققة لمطالبها إلا إذا كانت سلطة ديمقراطية يختارها المواطنون عن طريق الانتخابات التي لابد أن تشارك فيها القوي السياسية المتعددة ببرامج مختلفة تقترح علي المواطنين طرقا متعددة متنوعة لحل مشكلاتهم وإجابة مطالبهم يفاضلون بينها ويختارون منها مايشاءون ومايحقق لهم مايريدون.
وقد وقفت الجماعات الدينيةـ وأولاها الإخوان المسلمون من هذه النظم السياسية الحديثة ـ الجماعة الوطنية, والدولة المدنية, والنظام الديمقراطي, وحقوق الانسان ـ موقف الرفض والمعارضة, لأن هذه الجماعات لاتزال تعيش بفكرها في العصور الوسطي, فهي لاتفهم الأمة إلا بمعني الملة أي الجماعة الدينية التي يشترك أبناؤها جميعا علي اختلاف بلادهم ولغاتهم في عقيدة دينية واحدة, فالأفغاني أو السنغالي أقرب إلي المسلم المصري في نظر هذه الجماعات من مكرم عبيد ومنير فخري عبد النور وسلامة موسي: وبابا روما أقرب إلي المسيحي المصري من شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية, والانتماء اذن في نظر هذه الجماعات لايكون للوطن وإنما يكون للدين الذي يجعلونه نقيضا للعلم والعقل ويخدعوننا بشعارهم االإسلام هو الحل فإذا كنا نريد أن نكافح الفقر, والمرض, والجهل, وأن نمحو الأمية, وأن ننتصر علي أمريكا وإسرائيل, ونزرع الصحراء الغربية والشرقية, وننظم النسل, ونصعد إلي القمر فالإسلام هو الحل!
وهي كلمة حق يراد بها باطل كما قال ابن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ردا علي الشعار الذي رفعته الجماعات الدينية المتطرفة التي خرجت عليه وهو لا حكم إلا لله!.
الإسلام هو الحل كلمة حق, لأن الإسلام مثله مثل أي عقيدة انسانية يوقظ ضمائر المسلمين, ويمنحهم الشعور بالطمأنينة والثقة في أنفسهم وفي قدرتهم علي أن يحققوا بعون الله ما يسعون لتحقيقه, ماداموا أخلصوا النية, واجتهدوا في البحث, واحتكموا للعقل, واستفادوا من تجاربهم وتجارب إخوتهم في الانسانية, مدركين أن الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم, وأن السماء لاتمطر ذهبا ولافضة, وأن علي صاحب الناقة وأهل المدينة وأبناء الوطن جميعا أن يعقلوها ويتوكلوا, فإن اكتفوا بالأخيرة ونسوا الأولي أضاعوا الناقة, وأضاعوا البلد وأضاعوا أنفسهم!
الإسلام قوة روحية محركة ملهمة, تهيئ المسلم وغير المسلم للعمل وتدفعه إليه, لكنها لاتعفيه من أدائه, والمسلمون الذين ناموا طويلا في العصور الماضية وأعفوا أنفسهم من التفكير والتدبير تخلفوا وافتقروا وانهزموا. والمسيحيون واليهود والبوذيون الذين سهروا واجتهدوا وراجعوا أنفسهم وصححوا طرقهم وتحرروا من أغلالهم الموروثة تقدموا ووصلوا إلي مايريدون.
لكن الجماعات الدينية لاتريد لنا أن نفكر كما فكر هؤلاء, ولا أن نجتهد كما اجتهد هؤلاء, ولا أن نراجع أنفسنا أو نتحرر من أغلالنا, لأن حريتنا تتعارض مع سعيها لاغتصاب السلطة, واغتصاب السلطة. هو الباطل الذي تريده هذه الجماعات من الشعار الحق الذي ترفعه.
نحن لانستطيع أن نجد حلا لمشاكلنا, بل نحن لانستطيع حتي أن نعرف مشاكلنا إلا بالحرية التي لايمكن بدونها أن نشخص الداء ونكتشف الدواء, وذلك بأن ننظر في حياتنا وحياة الأمم الأخري, تاريخنا وتاريخ سوانا, مالدينا ومالديهم من علوم ومعارف وخبرات وتجارب, ننظر فيها جميعا ونستنبط منها الحلول, ونجربها, ونغيرها. وقد دلنا العقل ودلتنا التجارب والخبرات الانسانية علي أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد للتحرر والتقدم والترقي. أن نختار الحكومة, ونراقبها, ونحاسبها, ونغيرها, ونضع قوانيننا, ونعدلها, ونبدلها كما يحلو لنا, لأن شروط الحياة تتغير فلابد أن تتغير القوانين التي تنظم حياتنا ضمن هذه الشروط, ولأننا أحرار مسئولون نختار لأنفسنا ولانقبل أن يفرض علينا الحاكم مايراه, ولأن الإسلام كغيره من العقائد الحية يطلق لنا حرية التفكير والتعبير ويقول لنا أنتم أعلم بأمور دنياكم.
والجماعات الدينية, كما نفهم مما تقول وتفعل, لايهمها هذا كله. لايهمها الحل, ولايهمها الحق, وإنما يهمها الحكم الذي تنفرد فيه بنا وببلادنا وثرواتنا, رافعة هذا الشعار, قاصدة به أن تسكتنا وتمنعنا من أن نناقشها أو نخالفها, وإلا فنحن في هذه الحالة نخالف الإسلام أو نشك في قدرته علي الحل.
وإذن فليس أمامنا إزاء من يقول الإسلام هو الحل إلا أن نقول آمين! ليس أمامنا إلا أن نسلم السلطة لهذه الجماعات. فمادامت هي التي ترفع الشعار فهي وحدها المؤهلة لتطبيقه, بل هي وحدها المؤهلة لتولي السلطة لا مرة ولا مرتين, ولا دورة أو دورتين, بل كل مرة وكل دورة لأننا لانستطيع أن نوجه النقد لمن يرفع شعارات الإسلام أو نسحب منه الثقة ونسقطه في الانتخابات, والا اتهمنا بالخروج من الملة. وفي هذه الحالة نستحق كل مايحل بنا, كما استحق الذين وقفوا في وجه الحكومات الدينية في الماضي والحاضر كل ماحل بهم. وماعلينا إلا أن ننظر حولنا لنري ماذا تفعل هذه الحكومات بالمعارضين الذين ينتقدون سياساتها ويتظاهرون ضدها, ليس أمامنا إلا أن نتصور ماحدث في قنا لنعرف ماذا سيحدث لنا إذا استولت الجماعات الدينية علي السلطة.
إنه طغيان لايختلف عن طغيان مبارك, بل هو أثقل منه وطأة وأشد نكالا. ونحن لم نخرج من طغيان لندخل في طغيان. نحن نريد الديمقراطية.
الثورة وآباؤها
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الأستاذ/ أحمد عبد المعطي حجازي
سلامي وتقديري لك ولجميع كتاباتك. وآخر ماقرأت هو ماجاء بـالأهرام يوم الأربعاء2 مارس تحت عنوان( الثورة وآباؤها) حيث ذكرت مشكورا أسماء بعض من تعرضوا للظلم من أصحاب الرأي طوال عهد السيد جمال عبد الناصر.
وقلت ـ وهذا حق ـ ان هؤلاء هم آباء ماتم في الميدان, فلا غرو أن هؤلاء شكلوا ماجاش واستقر في صدور المصريين بما قدموا من فكر كشف زيف نظام العسكر, وكنت أحب بل أرجو أن تضم لهؤلاء من شرب من ذات الكأس العكر من الضباط الأحرار بسلاح الفرسان عندما جهروا ـ وأمام عبد الناصر شخصيا ـ بالنقد الشديد لبواكير الدكتاتورية العسكرية التي كشفت عن وجهها مبكرا.
وكان اجتماع الميس الأخضر بسلاح الفرسان هو أطهر مواجهة مع الرئيس جمال عبد الناصر وبحضوره لليلة كاملة في نهاية فبراير4591 وماتبعها في مارس. أستميحكم إعادة قراءة كتاب العزيز خالد محيي الدين االآن أتكلمب وبالذات الفصل الخاص باجتماع الميس الأخضر.
وبعد الاجتماع وبنذالة متناهية تم تشريد وسجن كل من كان له صلة بما تم في الاجتماع وبعده.
ورغم نقاء وجرأة هذه الوقفة ورغم أن من قام بها ضباط أحرار كان لهم دورهم غير المنكور ليلة الثورة وقبلها, وأن غالبية العمليات ليلة الثورة قامت بها هذه المجموعة. كل ذلك لم يمنع عبد الناصر. من ذبحهم لأنهم طالبوا بدستور وحياة نيابية, الأمر الذي لم يتحمله عبد الناصر, وأعجب من أن هذه العملية لم يتعرض لها أحد مفكرينا وبالتفصيل لماذا هذا النكران؟!.
محمود عبد اللطيف حجازي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق